الأسد والحمار وابن آوى

الأسد والحمار وابن آوى

01 سبتمبر 2014

(Getty)

+ الخط -

عندما يصبح الواقع مستنفَداً (بالمراوحة والتكرار)، والكتابة عنه مستنفَدة أيضاً، تفقد الكلمات قدرتها على التوهّج، فتصبح مجرد لوكٍ وعلكٍ. عندها، يجترح التعبير الكتابي طرقاً جديدةً باستخدام الكلمات نفسها، ولكن، بعد زجِّها في المجاز والاستعارة. لذلك، كان الشعر وكانت القصة والأمثولة محاولة للتعبير عن الواقع، ولكن، من خارجه.

قبل أن نعرف القصة، في صيغتها "الأوروبية"، كانت لدينا أشكال تعبيرنا الحكائية، مثل: الحكاية المَثَلية ونموذجها الأسطع "كليلة ودمنة"، حيث تتكلم مملكة الحيوان بلسان البشر وخيالهم، وتسقط أمثولاتها على الواقع البشري، خوفاً من السلطان، أو ضجراً من الفجاجة والمباشرة. ومن هذا القبيل قرأت، اليوم، حكاية الأسد والحمار وابن آوى، ورغبت في مشاطرتكم إياها، ولكم أنتم يا سادة يا كرام (لازمة الحكواتي الشهيرة، فلم تكن هناك نساء في مجالس الرجال!) تفسيرها كما تشاؤون، أو "إسقاطها" على الواقع الذي ترونه مناسباً بعدما تشابه علينا البقر (سورة البقرة):

زعموا أنَّ أسداً كان يعيش في غابة، ومعه ابن آوى يقتات على فضلات طعامه. فأصيب الأسد يوماً بالجرب فهزل، وخارت قواه، ولم يعد قادراً على الصَيد. فقال له ابن آوى: ما بالك يا سيد الغابة قد تغيرت أحوالك؟ فرد الأسد: اللعنة على هذا الجرب الذي هدَّني هدّاً، ولم يجد له الأطباء دواءً، سوى مخ حمار وأذنيه. فقال له ابن آوى: بسيطة، فأنا أعرف حماراً هالكاً، انهكه "التعتيل" عليه، سوف آتيك به، لا تقلق، المهم صحتك يا مولاي. مضى ابن آوى من توّه إلى الحمار، فوجده في غاية من التعب، قال له: لِمَ أنت شاحب ومرهق؟ فأجابه الحمار، إنَّ السبب سيّدُه الذي يحمِّله فوق طاقته، بحيث أنقض ظهره. فقال ابن آوى: وما يجبرك على هذه العيشة التعسة؟ فرد الحمار "وين بدي أروح، فالحمار حمار في أي مكان يمضي إليه". فقال له ابن آوى: ليس إذا أخبرتك عن مكانٍ منزوٍ في الغابة، لا يمرُّ به إنسان ولا حيوان، وإلى ذلك هو مرعىً خصيب. فردَّ الحمار متهللاً "إيدي بزنارك!".

انطلق ابن آوى نحو الأسد، وأخبره أن يجهّز نفسه. ثم دلَّه على مكان الحمار. فخرج الأسد إليه، وحاول الانقضاض عليه، فلم يتمكن منه لضعفه، وتخلص الحمار منه، وأفلت هارباً. فلما رأى ابن آوى أنَّ الأسد لم يقدر على الحمار، قال له: يا ملك الغابة، أعجزت إلى هذا الحد؟ فقال الأسد: إن جئتني به، مرة أخرى، لن ينجو مني أبداً.

مضى ابن آوى إلى الحمار، وقال له: ما الذي جرى لك؟ إنَّ أحد الحمير رآك غريباً في هذا المكان، فخرج يرحب بك، ولو أنك لم تهرب لآنسك، ومضى بك إلى أصحابه، فقال الحمار: يعني أنَّ ما رأيته لم يكن أسداً؟ فأجاب ابن آوى: كلا، كان حماراً مثلك. فصدَّق الحمار كلام ابن آوى، ورجع معه إلى الموضع نفسه، ثم مضى إلى الأسد، وأبلغه بعودة الحمار، وقال: استعدَّ فقد خدعته لك، فلا يدركنك الضعف هذه المرة، لأنه إن أفلت منك فلن تكون هناك فرصة أخرى لشفائك.

جاش الأسد، واستجمع كل قواه وانقضَّ على الحمار فافترسه. فقال لابن آوى إنَّ الأطباء نصحوه بالاغتسال قبل الأكل، فطلب منه البقاء بجانب الحمار ريثما يعود، فيأكل دماغه وأذنيه ويترك له الباقي. فلما ذهب الأسد للاغتسال، عمد ابن آوى إلى الحمار فأكل دماغه وأذنيه، على أمل أن يتطيَّر الأسد من ذلك، فلا يأكل منه شيئاً. ثم إنَّ الأسد رجع إلى مكانه، فسأل ابن آوى: أين دماغ الحمار وأذناه؟ فقال ابن آوى ضاحكاً: ألا تعلم أنه لو كان في رأسه ما يعقل به، أو أذنان يسمع بهما، لما رجع إليك، بعدما نجا من التهلكة؟!

E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن