"الانتقال الديمقراطي في العالم الإسلامي"

"الانتقال الديمقراطي في العالم الإسلامي"

29 يونيو 2018
+ الخط -
عنوان هذه الزاوية هو العنوان نفسه للكتاب الذي حرّره عالم السياسة الأميركي الراحل، ألفريد ستيبان (1936- 2017) والذي نشرته أخيرا دار نشر جامعة كولومبيا. وكما هو واضح من العنوان، يستعرض الكتاب مسألة الانتقال الديمقراطي في العالم الإسلامي، والذي يمتد هنا من إندونيسيا شرقاً إلى المغرب العربي، مع تركيز الضوء على التجربة التونسية، والتي كان ستيبان متحمساً لها قبل وفاته، وكتب عنها عدة دراسات ومقالات، أشهرها "التسامح المتبادل"، والذي كتب فيه عن احترام الإسلاميين قواعد اللعبة الديمقراطية وتقاليدها، في مقابل احترام الدولة للتعددية السياسية والإيديولوجية، والتسامح مع كل اللاعبين، بمن فيهم الإسلاميون.
شارك في الكتاب الجديد عدة باحثين، لهم إسهام في حقل الانتقال الديمقراطي، وكذلك الحركات الإسلامية، ومنهم مثلاً ناثان براون ومونيكا ماركس وكاري ويكام روزفيسكي، بالإضافة إلى الفصل الأول الذي كتبه الشيخ راشد الغنوشي بنفسه، وتمت ترجمته ونشره في الكتاب. فحوى الكتاب أن الديمقراطية ممكنة في العالم الإسلامي، وأنه لا يوجد استثناء في هذا الشأن. ويدلل على ذلك بحالات تونس وإندونيسيا وماليزيا، والتي تقدم نماذج لدول إسلامية، نجحت فيها الوصفة الديمقراطية، وذلك على عكس أطروحات استشراقية ترى عدم حدوث ذلك، استناداً لما تراه تضاداً فلسفيا وقيمياً جوهريا بين الإسلام والديمقراطية. كما أن الكتاب يستعرض الحالة المصرية التي تعرقلت فيها الديمقراطية، لأسبابٍ يراها الكتاب بنيويةً تتعلق بطبيعة اللاعبين وتصوراتهم عن الديمقراطية، وكيفية إدارتهم خلافاتهم. وهنا يبرز، في المقابل، دور النخب التونسية في إنجاز المرحلة الأولى من الانتقال الديمقراطي، على الرغم من التحديات التي لا تزال تواجه التجربة التونسية.
ومن بين الفصول العديدة في الكتاب، يستوقفك فصل ستيبان الذي يكرّر فيه أطروحته عن قدرة الأحزاب الإسلامية (خصوصا حزب النهضة) والأحزاب العلمانية (خصوصا نداء تونس) على تجاوز اختلافاتها الإيديولوجية وتحييدها، والاتفاق على الحد الأدني، من أجل إنجاز الانتقال الديمقراطي. كما يجادل فيه بقدرة هذه الأحزاب على تقديم تنازلاتٍ لبعضها بعضا من أجل التعايش تحت سقف العملية الديمقراطية. وربما بدا ستيبان متفائلاً ومتحمساً للتجربة التونسية، وله الحق في ذلك، لكن المسألة لم تكن بالدرجة نفسها من السلاسة والأريحية. ففضلاً عن التوترات داخل حزب نداء تونس، والتي تكاد أن تطيحه، فإن العلاقة بين العلمانيين والإسلاميين لا تزال متوترة، ويبدو أن إرث عدم الثقة من أيام زين العابدين بن على لا يزال موجوداً ومؤثراً في تصورات هذه النخب عن بعضها بعضا. وقد شهدنا في الفترة الماضية اشتداد التوتر بين الطرفين، وتوجيه الاتهامات لبعضهما بعضا بشأن عدم الالتزام بقواعد الديمقراطية، والعمل على تقويضها. كما جاءت أخبار التخطيط لمحاولةٍ انقلابية، يقودها وزير الداخلية المقال، لطفي براهم، كي تزيد من شكوك الالتزام بقواعد الديمقراطية في تونس، ويزيد من مخاوف إطاحتها من خلال دعم إقليمي من قوى الثورة المضادة.
درس ستبيان نماذج الانتقال الديمقراطي في أميركا اللاتينية وجنوب أوروبا، وكان من أوائل الذين قدموا نقداً منهجياً رصينا لهذه النماذج، وذلك من خلال كتاباته ومؤلفاته إبّان عقد التسعينيات من القرن الماضي. وهو ما يجعله من أهم علماء السياسة المقارنة، خصوصا في مجال الانتقال الديمقراطي، لذا فإن كتابه الجديد، والذي لم يشهد صدوره، حيث توفى أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، يمثل محاولة جديدة لإثبات نجاعة الديمقراطية وسيلةً لحل الصراع السياسي بطريقة سلمية، ولكن أحياناً "لا تأتي الرياح بما تشتهيه السفن".

دلالات

A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".