رهان على وسائل التواصل الاجتماعي

رهان على وسائل التواصل الاجتماعي

14 اغسطس 2014
+ الخط -

أي مشكلة في أي مكان في العالم يمكن أن تصل أخبارها إلينا في ثوانٍ معدودة، من خلال وسائل الإعلام الاجتماعي، القوية والفعالة، فهي تمكن المرء من أن يسمع صوت أحدهم، وتلفت الانتباه إلى الإشكالات والأمور المعروفة بشأن مجموعة من القضايا، بدءًا من السياسة إلى أخبار المشاهير. عندما تستخدم وسائل الإعلام الاجتماعي بشكل مناسب، تكون أداة جيدة لا شك، لوضع المجتمع على مسار العمل في الاتجاه الصحيح.

من أهم الوقائع الدالة على تأثير وسائل الإعلام الاجتماعي، عندما خطفت المنظمة الإرهابية "بوكو حرام" أكثر من مئتي تلميذة في نيجيريا، في أبريل/نيسان الماضي، وانتفض العالم كله، ناقش الساسة الموضوع، وكتب المعلقون عن ذلك في أعمدتهم، واستخدم الناس وسائل الإعلام الاجتماعية ليل نهار في محاولة لإعادة الفتيات.

مضت ثلاثة أشهر، الآن، ولقي هروب 54 من الفتيات الصغيرات صدى قليلاً من التغطية. ولا تزال بقية الفتيات في يد بوكو حرام التي التحقت بتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام". ولكن هذه القصة فقدت شعبيتها، وعلى الرغم من أن أصواتاً كثيرة ارتفعت، إلا أنها كانت ضعيفة. لم يتغير الوضع كثيراً في نيجيريا، فما زالت "بوكو حرام" تخطف الناس وتسفك الدماء.

تذكروا عبد القادر الملا، القيادي في الجماعة الإسلامية، الذي حكم عليه بالإعدام في بنغلاديش. وقد بدأت حملة اجتماعية واسعة من أجل الحيلولة دون تنفيذ حكم الإعدام عليه. وتم تأجيل الحكم بسبب حملة إعلامية شرسة على وسائل الإعلام الاجتماعي، مناهضة لهذا الحكم الجائر، ولكن، عندما همدت وسائل الإعلام الاجتماعية، مرة أخرى، وخيم عليها صمت، شجع ذلك المسؤولين الحكوميين على تنفيذ حكم الإعدام بالرجل العجوز. مر الوقت، وذهب كل إلى عمله الخاص، كما لو كان النظام في بنغلاديش قد وصل إلى نهايته. لا أحد يبدو مهتماً في حقيقة أن 14 عضواً من المجتمع نفسه تم الحكم عليهم بالإعدام، وجرى نسيان الناس، فاقدةً حقها في الحياة، تحت حكم النظام عينه.

كانت جمهورية أفريقيا الوسطى من الموضوعات الأكثر شعبية على وسائل الإعلام الاجتماعي، عندما كان المسلمون يُحرقون أحياءً في الشوارع. ولا نستغرب أن لا أحد يناقش الموضوع الآن، على الرغم من محادثات السلام في مؤتمر القمة الأفريقية أخيراً. وقد تم ذبح سبعين مسلماً، بداية الشهر الجاري، وأجبر 14 ألف مسلم آخر على الفرار إلى البلدان المجاورة، في أسبوع. وعادت أحداث جمهورية أفريقيا الوسطى لتكون طي النسيان على وسائل الإعلام الاجتماعية، بينما، حتى الآن، الأبرياء ما زالوا يعيشون في خضم حرب أهلية مرعبة.

بدأ القتل في سورية، حيث وصل العنف إلى أسوأ مستوياته، والآن، يجري إنجاز إحصائية شهرية لعدد القتلى؛ وعدد قليل جداً من المجموعات تحاول، الآن، إيصال أصواتها إلى العالم، وإيجاد حل للأزمة السورية. يتم نشر صور للأطفال الرضع الذين ينتشلون من تحت الأنقاض في وسائل الإعلام، وتساهم وسائل الإعلام الاجتماعية في نشر إحصاءات شهرية، عن أعداد الذين يعلمون أن 273 برميلاً متفجراً أطلقت على حلب وحدها، في شهر رمضان؟

وينطبق الشيء نفسه على مجتمعات مثل مسلمين الروهنجيا في ميانمار، الذين عانوا لعقود من مأساة طويلة. رأينا الحقيقة عنهم، وكانت قد حجبت عن العالم الخارجي، عندما تم استبدال المجلس العسكري الحاكم من خلال إدارة شبه مدنية في عام 2011، وأصبح العالم مطّلعاً على أعمال الذبح في 2012، وذهل من همجية الإبادة الجماعية التي تجري بحق المسلمين في ميانمار. بالتأكيد، هناك أناس رائعون يحاولون زيادة الوعي بشأن قضيتهم، بواسطة وسائل الإعلام الاجتماعي. ولكن لا يوجد زخم كبير يدعم هؤلاء الناس بطريقة حازمة. وبالتالي، لم يتغير الوضع في المنطقة؛ ما زال المسلمون في الروهينجا بلا جنسية، محرومين من حقوقهم الإنسانية، ويعيشون في ظل القهر الشديد. ما زالت دول آسيا الكبرى، والمجتمع الإسلامي العالمي والقوى العظمى صامتين.

بالتأكيد، هذه ليست نهاية القائمة؛ لم يتغير شيء في العراق؛ ولا في أفريقيا التي طالما كانت مكافحة للجوع، والإيدز، والآن، تفشي إيبولا، وأيضاً بلدان أخرى مثل باكستان وأفغانستان واليمن التي تواجه هجمات عديدة بالطائرات بدون طيار والحرب الضروس. الأمر الوحيد الذي تغير هو محور مصالح الشعب على وسائل الإعلام الاجتماعية. وردة الفعل على العنف والقهر والظلم يجب ألا تقتصر على ساعات قليلة فقط أو أيام، وخصوصاً عندما يكون العنف مستمراً ومتفاقماً.

ومن يقولون، "ما باليد حيلة" مخطئون. ينبغي على الناس جعل أصواتهم مسموعة بشأن المسائل التي لا تستطيع الدول والحكومات إيجاد حلول لها. عندما يتحالف الناس معاً يكون لهم تأثير أقوى من حلف شمال الأطلسي أو الأمم المتحدة. الصمت داعم للشر بطريقة غير مباشرة، ولو لم يكن الشخص يقصد ذلك في نيته. وصوت الأغلبية يمنع الذين يرتكبون الشر من الحفاظ على أنفسهم، ويعرّيهم، وهو، أيضاً، من أشكال الصلاة، ولكن يجب أن يكون ذلك الصوت قوياً ومستمراً ضد كل أشكال الشر. والقضايا التي تقلقنا عندما نسمعها أول مرة لا ينبغي لها أن تموت في داخلنا مع مرور الوقت. ومع ذلك، يمكن أن تتخذ إجراءات فعالة فقط عندما نتخلص من العقلية التي تعتبر أنهار الدماء والموت في الشرق الأوسط وأفريقيا مجرد إحصاءات، وعندما نشعر بالمسؤولية عن كل روح تزهق. علينا أن نكون مصممين مثابرين، وأن نصمد على هذا الموضوع. صوتنا الذي نرفعه إلى العالم قد يؤدي يوماً ما إلى تغيير نظم العالم نحو الأفضل.

6CDB8DD5-0266-422A-AF0D-1E8B6F808880
6CDB8DD5-0266-422A-AF0D-1E8B6F808880
هارون يحيى (تركيا)
هارون يحيى (تركيا)