جيش مصر الإلكتروني؟

جيش مصر الإلكتروني؟

17 نوفمبر 2014
+ الخط -

ليس أكثر إهانة للمؤسسة العسكرية المصرية من أن يتحدث باسمها خبراء مزيفون وسماسرة شركات أمن عالمية وموردو حراسات خاصة، فيقولون عكس ما تعلنه المؤسسة، ويأتون بروايات تنتمي، بالكلية، لعالم سينما الأطفال وحواديت "والت ديزني" المبهرة.
وليس أكثر إساءة من أن يتم استدراج الخطاب العسكري المصري إلى ملعب الفيديو والفوتوشوب، بحيث تتحول المعارك إلى عالم افتراضي مثير، شجع بعض الصغار على اختراع مسميات بذيئة، تبتذل العسكرية المصرية، من نوعية "الجيش المصري الإلكتروني"، الذي يخوض معاركه غير الأخلاقية، بمحاولة اختراق صفحات المعارضين، ويفاخر بأنه بث مقاطع فاضحة على هذه الصفحة أو تلك، أو نجحت قواته "الباسلة" في إذاعة أغنية "تسلم الأيادي" على موقع "داعش" أو "أنصار بيت المقدس" إلى آخر هذا "الهراء".
خطورة السماح بهذه المهارشات الصبيانية تأتي من الانحطاط بمستوى الحديث عن الشؤون الاستراتيجية والعسكرية إلى ما بعد الحضيض، أو بتعبير سيدة مغربية متابعة للشأن المصري "لقد أحدث الإعلام المصري ثقباً في الحضيض ذاته"، حيث صار متحدثون إعلاميون باسم راقصاتٍ، أكل عليهن الدهر وشرب، يتحدثون باسم العسكرية المصرية، فيغرقون الشاشات بساقط الكلام ومنحط الأقوال وعبيط الروايات عن أسر قائد الأسطول السادس الأميركي في المياه الإقليمية المصرية، وجلوس قادة "داعش" للعب النرد وتعاطي الشيشة على مقاهي وسط القاهرة.
الأخطر من ذلك أن أحداً من القائمين على شؤون الإعلام العسكري لم يتدخل لإيقاف هذه المساخر والمهازل، والتي بلغت الجرأة ببعض أصحابها لتكذيب الروايات الرسمية للجيش وإذاعة أنباء مضادة لها. وعلى سبيل المثال: فور الإعلان عن حدوتة "الإرهاب البرمائي" في دمياط، خرج المتحدث العسكري الرسمي بالبيان التالي: "أسفرت عمليات البحث والإنقاذ عن إخلاء خمسة مصابين، من عناصر القوات البحرية، وتم نقلهم إلى المستشفيات العسكرية، لتقديم الرعاية الطبية اللازمة لهم، ومازال هناك ثمانية أفراد في عداد المفقودين، وجارٍ البحث عنهم"، غير أن هذا الكلام الرسمي لم يكن مرضياً، أو مقنعاً، لخبير استراتيجي تلفزيوني إلكتروني، هو سامح سيف اليزل، فخرج برواية مناقضة تقول إنه لا صحة لما تردد عن خطف أي عسكري أو سفينة في حادث دمياط وإن الـ32 المضبوطين في حادث دمياط الإرهابي بينهم جنسيات غير مصرية".
كلام اليزل جاء خلال "قعدة" تلفزيونية مع الإعلامية لميس الحديدي، على قناة "سي بي سي"، اختطف خلالها وظيفة الناطق باسم الجيش لوقت طويل جدا، ثم تنحنح، وختم بالقول "لا تعليق حاليًا على تدخل مخابراتي في حادث دمياط، والتحقيقات بها معلومات مذهلة، وستتم محاكمة المتهمين أمام محاكم عسكرية".
إذن، نحن أمام حالة إسفاف وابتذال للبيانات العسكرية، باتت تجعل أي واقف على رصيف محطة تلفزيونية لا يتورع عن التحدث باسم الجيش المصري، مدلياً بتصريحاتٍ، تناقض ما يرد على ألسنة المتحدثين الرسميين أنفسهم، وهذا منطقي، كونه امتداداً طبيعياً لحالة التبسط المخل لدرجة دخول الإعلام العسكري ساحة المنافسة على حصد أكبر عدد من المعجبين والمعلقين في عالم "فيسبوك".
والطريف أنك، وسط هذه "الملعبة الإعلامية" التي تشبه لهو الصغار، وهم يستخدمون نافورة ميدان رمسيس كحمام للسباحة، تقرأ خبراً يقول نصاً، أرسل قسم التشريع بمجلس الدولة، برئاسة المستشار مجدي العجاتي، إلى مجلس الوزراء ووزارة الدفاع، تعديل قانون تعامل الإعلام مع القوات المسلحة المعد من وزارة الدفاع، بعد مراجعته. وتضمن التعديل منع أي أخبار عن القوات المسلحة، سواء في الصحف أو وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي إلا بعد الحصول على موافقة كتابية من القيادة العامة للقوات المسلحة، ومن يخالف ذلك يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات".
يا مثبت العقل!


 

وائل قنديل
وائل قنديل
صحافي وكاتب مصري، من أسرة "العربي الجديد". يعرّف بنفسه: مسافر زاده حلم ثورة 25 يناير، بحثاً عن مصر المخطوفة من التاريخ والجغرافيا