الأرملة تتزوج فوراً

الأرملة تتزوج فوراً

07 يناير 2015
+ الخط -

أبلغتنا وكالات الأنباء الفلسطينية، أخيراً، خبر زواج فتىً في التاسعة عشرة بأرملتي شقيقيه دفعة واحدة، الأمر الذي أثار استغراباً كثيراً، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، فالأب الحريص على أرملتي ولديه اللذين استشهدا في العدوان على غزة، والخائف على مصير أحفاده الأيتام، والمذعور من فكرة انقراض نسل العائلة، الذي يريده أن يمتد ويعتد به، بعد استشهاد أربعة من أبنائه الذكور، استطاع أن يقنع أصغر أبنائه، وآخرهم أن يتزوج بأرملتي شقيقيه، مرة واحدة.
 قبل سنوات طويلة، كانت أمي تؤكد، في كل مجلس يدور الحديث فيه عن قوانين الزواج المستمدة من الدين والمطعمة بالتقاليد، بأن من العار أن يتزوج الشاب الذي لم يسبق له الزواج بأرملة أو مطلقة، وظلت أمي تؤكد، ضاربة صدرها بقبضتها، بكل ثقة، أن الفشل مصير مثل هذا الزواج.
ظل المجتمع الغزي يتمسك بقوانين الزواج المسلّم بها، حتى بداية انتفاضة الحجارة، فالرجل الذي لم يسبق له الزواج يجب أن يتزوج بفتاة بكر، ولدى الأرملة والمطلقة خياران، أن تتزوج بمطلق أو أرمل، وتسلم أولادها من الزوج السابق لأبيهم، أو لعائلته في حال وفاته، أو عليها أن تمضي بقية حياتها بلا زواج، لأن المجتمع نفسه لا يمنحها سوى فرصة زواج واحدة، ولم تسجل سوى حالات نادرة جداً لزيجات تمت بين مطلقات وأرامل ورجال لم يسبق لهم الزواج. وحسب أمي، يظل الرجل الذي يقدم على هذه "الزيجة" يعير بفعلته مدى حياته، ويشعر بالانتقاص في مجالس الرجال التي يوجد فيها.
 مع انتفاضة الحجارة، بدأت تلك القوانين تتداعى، فسمحت بأن يتزوج الشقيق الأعزب بأرملة شقيقه، بغض النظر عن فارق العمر بينهما ومع وجود أولاد لها، فالأهم حفظ أولاد الأخ الراحل من الضياع، فأرملة الشهيد لا تقبل عائلتها بقاءها في بيت عائلة الزوج الراحل، وهي في مقتبل العمر، وهناك إخوة له بين أعزب ومتزوج، ويعيد الآباء بناتهم إلى بيت العائلة، بمجرد انتهاء أيام العزاء، ويترك الباب مفتوحاً والخيار قائما أمام أشقاء الشهيد، الأعزب منهم أو المتزوج للزواج بها.
حروب خفية تشتعل في البيوت، بعد ارتقاء الشهيد وتركه زوجة شابة وأطفالاً صغاراً في بيت العائلة، فزوجات أشقائه "السلفات" سرعان ما يستشعرن الخطر، لأن وجودها يعني أنها قد تتحول إلى "ضرة"، في أقرب وقت، وبمجرد انتهاء العدة الشرعية، وبقرار من والد الزوج، أو حتى رجال العائلة الكبار.
خيارات صعبة تواجه أرملة الشهيد، لأنها لا تستطيع ترك أطفالها والعودة إلى بيت عائلتها بعد فض العزاء، وإن كانت عائلتها تتمتع ببعض "مرونة"، تسمح لها بالبقاء في بيت عائلة الزوج حتى انتهاء عدتها الشرعية. ولذلك، هي مجبرة على القبول بالزواج من الشقيق الأصغر منها سناً، والذي لم يسبق له الزواج، أو تصبح زوجة ثانية، وتضم أطفالها لأطفال شقيق الزوج.
خلفت الحرب الأخيرة بين 400 و500 أرملة، وليس لديهن خيارات، بسبب صعوبة الواقع، فهن إما أن يصبحن تراثاً وينساهن المجتمع، أو يصبحن ميراثاً لأشقاء الزوج، وكما كان يحدث قديماً، حين يلقي شقيق الزوج بعد وفاته مباشرة بعباءته فوق جسد زوجة أخيه، بمعنى أنها ستصبح زوجته، ولكن مع كثير من الرضا والتقبل، والقليل من السخط. والنتيجة أن مجتمع غزة أكثر حرصاً على أطفال الشهداء والوفاء للشهداء أنفسهم، ولا متسع لترف التفكير بالمشاعر والأحاسيس، أو طرح الخيارات ورصد أبعاد هذه الزيجات وعواقبها للطرفين، فالمهم أن الأرملة يجب أن تتزوج فوراً، ولكن ليس السبب الأول والأوحد جمال الأرملة وصباها، كما حدث مع الفنانة ناهد شريف، حين أصرت عائلتها على حتمية زواجها بعد وفاة زوجها، في فيلم حمل اسمه قراراً، "الأرملة تتزوج فوراً".

 

 

avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.