إلى لندن مع "القطرية"

إلى لندن مع "القطرية"

05 يونيو 2020
+ الخط -
لم يكن قرار السفر من الدوحة إلى لندن في هذه الظروف سهلاً، سيما مع كثير مما قيل عن مخاطر السفر في زمن كورونا، والأكثر مما شاع عن احتمالات عالية لانتقال الفيروس عبر نظام التهوية داخل الطائرات. ومع ذلك، لم يكن من السفر مهرب مهما طال المكوث في المحجر الاختياري في الدوحة. كانت بداية الرحلة في التاكسي نحو مطار حمد الدولي، وقد عادت إلى ذهني حكمة أخبرني بها كابتن طيران متقاعد، عمل سنوات طويلة في الخطوط الجوية الألمانية (لوفتهانزا)، وقد سألته، في زيارة قبل سنوات إلى مشاغل الصيانة في مطار فرانكفورت، عن أخطر ما في السفر بالطائرة، فأجاب بكل ثقة، إنها الرحلة بالسيارة من المنزل إلى المطار. وقال: يخاف الناس من رحلة الطائرة وكأنهم لا يعلمون أن حوادث السير تحصد من أرواح البشر سنوياً أضعاف من يقضون بسبب حوادث الطيران. وأضاف أن عدد حوادث السيارات أكثر بكثير من حوادث الطائرات، مع العلم أن آلاف الطائرات تكمل آلاف الرحلات يومياً، مع عدد حوادث قليل سنوياً. وليزيد من ثقة المستمعين، أكد الكابتن الذي تحوّل بعد تقاعده إلى دليل سياحي داخل مشاغل الشركة الألمانية، يزوّد الزوار بخبراته التقنية، ويمتعهم بقصص وحكايات لا تنتهي من تجربته الشخصية، أن الطائرات الحديثة باتت آمنة بنسبة 99%. 
استعدت حديث الكابتن الذي مرت عليه سنوات، وتمنيت السلامة في رحلتنا باتجاه مطار الدوحة، مع الإشارة إلى أن السائق كان ملتزماً جدا بأسباب الوقاية في ارتداء الكفوف والكمّامة.
وفي المطار، كانت إجراءات السفر سلسلة، مع التزام ظاهر بكل إجراءات الوقاية والسلامة، سواء بالحفاظ على المسافة الآمنة بين المسافرين والموظفين، أو إجراءات التعقيم الحثيثة لكل ما تلمسه يد العابرين من بوابات الجوازات. أما حال المطار فالصمت سيد المكان، لا تكسره إلا همسات مسافرين قلة، جالسين أمام بوابات المغادرة. خلت السوق الحرّة من ضوضاء المسافرين، وقد أغلقت كل المتاجر، باستثناء مطعم واحد للوجبات السريعة، ومتجر لآخر للمواد الغذائية، وصيدلية. يمضي الوقت بطيئاً وبارداً، وقد غابت متعة التسوق في متاجر واحدٍ من أفخم مطارات العالم، حيث تباع أرقى السلع والماركات من المجوهرات والساعات، إلى العطور والأجهزة الإلكترونية.
المفاجأة الأهم كانت عند الوصول إلى باب الطائرة، واستقبال المضيفة التي ارتدت زياً أبيض من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين، مع نظارات عريضة وشفافة، تكشف عينين تنطقان بابتسامة ترحيبٍ دافئةٍ غابت خلف الكمّامات الطبية. غياب زي طاقم الضيافة العنابي، اللافت والمميز، تحت زي كورونا الأبيض، لم يقلّل من حفاوة الخدمة، وكرم الضيافة التي تغمر بهما الناقلة القطرية مسافريها، والتي لايبدو أن إدارتها في موقع مساواة بين الالتزام بتقديم الجودة والفخامة أو التقليل من خسائر مالية منيت بها، مثل كل شركات الطيران العالمية، بفعل جائحة "كوفيد - 19" وتداعياتها.
على متن الطائرة، كانت إجراءات الوقاية واضحة مع تباعد بين الركاب بما يكفي، وكان طاقم الضيافة يُظهر حرصاً على طمأنة الجميع بأن الناقلة القطرية تلتزم أقصى الإجراءات الوقائية لحماية صحة المسافرين وطاقم الطائرة على حد سواء. ومن الإجراءات المُلاحظة على متن الطائرة إزالة الصحف والمجلات والنشرات، بما في ذلك مجلة "أوركس" الخاصة بالشركة، وقد كان المسافرون يطالعون فيها معلوماتٍ مفيدة عن الوجهات العالمية التي تصل إليها الخطوط الجوية القطرية.
لا إجراءات استثنائية في مطار هيثرو، وقد أخبرنا موظفو المطار بأن الإجراءات الاحترازية ستدخل حيز التطبيق يوم الإثنين المقبل، إذ يُلزَم كل قادم إلى بريطانيا بالحجر المنزلي الإجباري 14 يوماً، مع احتمال قيام السلطات بزيارات مفاجئة إلى عنوان إقامته. وفي حال المخالفة يتكبد المخالف غرامة بقيمة ألف جنيه استرليني. .. على أكفٍّ من الخدمة والرعاية، حطت طائرة "القطرية" في مطار هيثرو اللندني، بعد رحلة خلت من متع السفر المعتادة، وامتلأت بالضيافة الكريمة والعناية اللطيفة.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.