شيشنة سورية

شيشنة سورية

13 يونيو 2020
+ الخط -
غزت روسيا سورية بطلب من رئيسها للحرب على الإرهاب، لكن الرئيس بوتين أخبر جنرالاته بأنهم سيحتلون سورية لإنقاذ رئيسها بشار الأسد، وهذا ما نفاه الاستراتيجي الأسدي خالد عبود، وقال إن ما حدث كان العكس، وإن الأسد هو الذي أنقذ بوتين، ولو غضب منه لأخرجه بخنصره من الكرملين، فهل يعقل أن يكون بوتين ناكرا للجميل إلى الحد الذي يجعله يخاطر بمصيره، ويُغضب اللواء المتقاعد بهجت سليمان، فيدمّر قاعدة حميميم ومرفأ طرطوس في نصف ساعة، وهو زمن طويل جدا، ويعادل ستة أضعاف الزمن الذي حدّده جنرالات الحرس الثوري لتدمير إسرائيل! 
أمام هذه الولدنات، كان من الطبيعي أن يبادر بوتين إلى تحصين وضعه في سورية، لسببين: أولهما أن الدولة السورية التي برّر غزوها بالمحافظة على مؤسساتها لم تعد موجودة، ولم يبق من وظائفها ما يمكنه إنقاذه غير المخابرات التي تتولى تهديده، فلا كهرباء، ولا ماء، ولا رواتب، ولا مواصلات، ولا مدارس، ولا مشافي، ولا عمل، ولا دواء، ولا دخل، ولا عملة سورية، بعدما زاد سعر الدولار عن ستين ضعف ما كان عليه عام 2011، وتجاوز عتبة الثلاثة آلاف ليرة. بعد قرابة عشرة أعوام من الانتصارات على مؤامرة الحرية، اختفت الدولة باختفاء وظائفها، جميع وظائفها الداخلية والخارجية، ووزارتها وحزبها. بما أن بوتين لا يستطيع بعث رمادها وهو رميم، لأسباب تتصل، بين أسبابٍ أخرى، بضيق ذات اليد، فقد قرّر استبدالها بدولة روسية بدأ تأسيسها بتعيين رئيس روسي لها، يساعده رئيسها الذي انزلق من موقعه منسقا أعلى لأجهزة المخابرات إلى موقع "رئيس ظل"، واستكمله قبل أربعة أيام بتعيين محافظين روس للمحافظات السورية التي سيتولون إدارتها بمساعدة محافظيها الذين صاروا بدورهم "محافظي ظل"، فمتى يعين مدراء النواحي، والمالية، والنفوس، وجباة مؤسستي الكهرباء والمياه، ورجال الشرطة وحرّاس الليل ومخاتير القرى، استكمالا لـ"شيشنة "بلادٍ، يعني انهيار دولتها افتقار الاحتلال الروسي إلى حامل سياسي محلي، وعجزه عن إيصال قدميه إلى أرض سياسية صلبة يقف عليها، بينما يواجه مصائب إعادة الإعمار، وتطبيق قرار مجلس الأمن 2254، والوجود الإيراني في حياة سورية الذي ينشط كمنافس في إهاب عدو، وسيستغل متاعب موسكو المنتظرة ليزيدها تعبا، حسب استراتيجية خالد العبود الذي أبلغ بوتين بأنه استدرج إلى سورية ليردع أميركا، وأن الأسد استبق قدومه بتحالفه مع إيران، لإبقاء روسيا تحت العين واليد. تلاشت دولة بيت الأسد التي جلبت بوتين إلى سورية، فهل تبقي دولة بوتين على رئيسٍ ظلٍّ هدّدها زعرانه بتدمير قواعدها خلال نصف ساعة؟
ثاني السببين أن احتلال سورية، بجيشها وحده، لا يضمن مصالح روسيا، فالروس لا يستطيعون إفراغ سورية من ثرواتها، ما لم تكن حاضرةً في كل مكان، وما دامت شروط إعادة إعمار ما دمّره غير متوفرة، فإن توفرت وطبق القرار 2254، رحل الأسد وزالت سلطته التي سيكون آخر ممثلٍّ لها، وواجه بوتين عندئذٍ مطالبته بالخروج من بلادٍ ساهم في تدميرها، ورحل من دعاه إلى غزوها، فإن نال المطالبون برحيله عن وطنهم دعما خارجيا مؤثّرا، حلت كارثةٌ بسياسة الانفراد بالساحة السورية التي قرّر استخدامها للقفز إلى الدول المجاورة، وأعاده فشله إلى موسكو بخفّي حنين، أو ورّطه في ما لا تحمد عقباه.
تغلق إجراءات بوتين باب الحل السياسي، وتأخذ الصراع على سورية وفيها إلى مواقع وخيارات تبعد السلام أكثر مما هو بعيد اليوم. يرجع ذلك إلى تمسّكه بالأسد الذي لم تعد لديه دولة، لأن بوتين ساعده على تدميرها، وسيواجه شعبا جدّد تظاهراته ضدهما، ويطالبهما بالرحيل، بعد عشرة أعوام من فتكهما به وإعلانهما الانتصار عليه.
سيد بوتين: لن تتمكّن من إنقاذ الأسد، أنقذ نفسك، سورية لن تصبح شيشانية.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.