قَتَل شادي من سَجنه

قَتَل شادي من سَجنه

09 مايو 2020
+ الخط -
في إحدى أشهر قصص "الفتنة الكبرى" في التاريخ الإسلامي، اهتزت الروح المعنوية لجيش معاوية حين قُتل الصحابي عمّار بن ياسر بينما هو في جيش علي، وذلك لوجود واقعة قال فيها الرسول لعمار "تقتلك الفئة الباغية". ولكن لمّا سأل عمرو بن العاص معاوية، ناقلاً له انتقادا حادّا من ابنه عبدالله، كان الرد حاضرا: "أو نحن قتلنا عمّارا؟ إنما قتل عمّارا من جاء به!"، وهو ما كان كافياً لإقناع جيشه. 
اليوم بعد نحو أربعة عشر قرنا، ما زال منطق القوة نفسه لا قوة المنطق سائدا. بيان النيابة العامة المصرية عن وفاة شادي حبش أتى ليقول إن شابا أجمل من الزهور مات، لأنه واجه حظا عاثرا لا أكثر!
خلاصة البيان المطول أن شادي توفي بعد أن اشتكى من ألم حاد في بطنه، وأبلغ طبيب السجن أنه شرب كحول التنظيف بالخطأ، وظل يتألم يومين عُرض خلالهما على الطبيب أربع مرات، وفي كل مرة يكتفي الطبيب بعلاج مبسط ثم يصرفه، حتى قرر أخيراً طلب سيارة إسعاف لكن شادي توفي قبلها.
أبسط بديهيات شكوى التسمم هو الانتقال الفوري إلى مستشفى مجهز، إجراء غسل معدة، إجراء التحاليل اللازمة. وبالتأكيد لا يمكن أن تتم مداواته بمضادّات القيء التي يذكرها البيان، بل بالعكس أثرها بالغ السلبية بهذه الحالات، فضلا عن أن تتكرّر في البيان عبارة أن الطبيب بعد كل فحص "أعاده إلى زنزانته".
عبارة أخرى استفزازية هي "استغاث زملاؤه"، والتي يفيد السياق أن هذه الاستغاثة هي ساعات طويلة من تحطيم السجناء أيديهم بالطرْق الهستيري على الباب الحديدي. السجانون لا يسمعون الاستغاثات.
الأهم هو السياق الكامل. لا يخبرنا بيان من يحمل لقب "محامي الشعب" بكلمة واحدة عن السبب (القانوني) لاستمرار حبس شادي الاحتياطي أكثر من عامين من دون محاكمة. وعلى الرغم من أنه ما أسهل أن تتم إحالة كل من يرغبون بمحاكمته إلى محاكمة، سواء في الدوائر العادية، أو "دوائر الإرهاب" أو عسكريا، وكلها تتنافس في الأحكام المشدّدة على السياسيين، إلا أن الاستبداد يفضل البقاء في مساحات هلامية بلا معايير قانونية. وأيضاً أحد الذين التقوا شادي في الزيارات قال إنه أخبره أن لديه أملاً كبيراً في أن يتم إطلاق سراحه في مارس/ آذار، تاريخ إتمامه عامين. ولكن رسالة النظام المصري هي: أيها الداخلون إلى سجوننا اتركوا وراءكم كل أمل.
بالتوازي مع بيان النيابة الذي يضع الواقعة في سياق الحادثة لا أكثر، شهدت الأوساط المعارضة أيضا موجةً من التحريض ضد المغني رامي عصام، بوصفه هو من غرّر بشادي، وعليه العودة إلى مصر ليلقى مصيره مثله. أيا كان تقييمنا إنتاج رامي، وأيا كان سياق نشر اسم شادي علناً مخرجا للأغنية، سيظل الواقع أنه لا أحد يمكنه زعم أنه توقع أن يترتب كل ذلك على مجرّد أغنية لم تلق في وقتها انتشارا واسعا كالذي حققته بعد وفاة شادي.
قَتَل شادي من سَجَنه، لا من طلب منه العمل بأغنية. وقتله من حرم السجون من الرعاية الطبية الكافية، حتى تحولت قبورا مفتوحة. قَتل شادي كل المسؤولين التنفيذيين والسياسيين في مصر من أصغرهم إلى أكبرهم، ويشمل ذلك السابقين أيضاً، كالرئيس المؤقت عدلي منصور الذي أصدر تعديلات قانون الحبس الاحتياطي، ما سمح بالسجن اللانهائي. أما لوم الطرف الأضعف، أو الظروف والمصادفة، فهي حيل نفسية وسياسية دفاعية. ومن المؤلم هنا أن تكون آمالنا معلقةً لا بحساب المسؤولين، بل سقفها فقط أن يكتفي السجان بحياة شادي ثمنا لحياة آخرين وحريتهم.
بعد البيان بيومين، أخلى النائب العام سبيل 16سجيناً، منهم الصحفيان مصطفى الأعصر ومعتز ودنان والمحامي عزت غنيم. "فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا".

دلالات