دراما رديئة بمضامين قبيحة

دراما رديئة بمضامين قبيحة

08 مايو 2020
+ الخط -
مجبرٌ أخوك لا بطل. قد تصحّ هذه المقولة على كثيرين ممن أجبرهم الحشر المنزلي على متابعة مسلسلات رمضان التي تعرض على الشاشات العربية. وإن كان فعل الإجبار قد وقع علينا، نحن معشر المحجورين بفعل فظاعة فيروس خفي، فإن البطولة تُحسب حقاً للناجين، لا من الإصابة بفيروس "كوفيد - 19"، بل من بشاعة ما تنضح به الشاشات من مضامين أشدّ شراً من وباء كورونا. كما غيره من ملايين العرب المحجورين في منازلهم، أجبرت الإجراءات الوقائية كاتب هذه السطور على متابعة عدد من المسلسلات التي تعرض بعد الإفطار، على شاشات فضائية عربية، وأكثرها يتزامن عرضه على أكثر من قناة. 
ناهيك عن "الرّدة المخزية والسوءَة المخجلة في بعض الأعمال الدرامية التلفازية"، كما عبّر عنها مقال أستاذنا وليد سيف في "العربي الجديد" (6 مايو/ أيار الجاري)، وبعيداً عن "الترويج للتطبيع في أدناها وقاحةً أو أقصاها فجوراً"، بتعبير سيف، فإن الطامّة الكبرى تكمن في انحطاط المحتوى الذي تنفثه هذه الأعمال في غرف جلوسنا وبين عائلاتنا، خصوصاً الشباب واليافعين. بتتبع ما عُرض حتى أمس من حلقات أربع مسلسلات (خيانة عهد، البرنس، سوق الحرير، أولاد آدم)، تتكشّف للمشاهد كثافة الانحطاط الذي وسّخ بيوتنا في الشهر الكريم. وبدل إمتاعنا بأعمال درامية ترفع من قيم المحبة والتسامح في مجتمعاتنا، مغصتنا الشاشات العربية بأعمال رديئة الإنتاج، بمضامين مسمومة، تروّج الكراهية والخيانة والغدر والطمع.
جاءت مضامين ما بُثّ من حلقات المسلسلات المذكورة آنفاً محشوة، بل ملغومة، بمضامين تشيطن المجتمعات العربية بكل مكوّناتها، العائلة، والفرد، والمؤسسة، وترسم صورة سوداوية قاتمة للعلاقات الاجتماعية القائمة بين مكونات مجتمعاتنا العربية. يطبع مسلسل "خيانة عهد"، بطولة يسرا، خيانة الأخوة أختهم الكبرى، ويستشري الانتقام ليكشف عن قيم أخرى تتمدّد فيها الخيانة، فيخون الزوج زوجته، وتخون الزوجة زوجها. ولا يخرج المُشاهد إلا بخلاصة مفادها أننا نعيش في مجتمع لا خير فيه، شرّير بالمطلق، محكوم بالخيانة والانتقام والغدر. ولا يقلّ مضمون مسلسل "البرنس"، بطولة محمد رمضان، قتامة وبشاعة، عندما يتآمر الأخوة على أخيهم، غير الشقيق، طمعاً في المال، وتتمدّد الكراهية طوال الحلقات إلى حد قتل طفلته وأمها. ولا تغيب عن المشاهِد سلوكيات الخيانة والسرقة والإدمان. ومع أن القتل من أجل المال محور ثانوي، أو مسار ثانٍ في البناء الدرامي للمسلسل السوري "سوق الحرير"، بطولة بسام كوسا، إلا أنه يكشف عن "أصالة" العنف في مجتمعنا. أما "أولاد آدم" فلا يترك سلوكاً منحطاً إلا ويأتي عليه. تتوزّع شخصيات المسلسل (السوري اللبناني) الأدوار، لترويج كمٍّ هائل من الأمراض الاجتماعية، الخيانة الزوجية، والسرقة، والبلطجة، والغدر، والفساد المؤسساتي، بشقيه الخاص والعام... إلخ. حتى مسلسل "أم هارون"، بعيداً عن الجدل الدائر بشأن علاقته بالتطبيع، لم يسلم من السقوط في أجواء الخيانة، عيزرا يخون عمّه ويسرقه، وأبو سعيد يخدع زوجته مرّتين.
وعلى خلاف المعتاد في أعمال درامية سوداء أخرى، لم يشأ منتجو مسلسلات رمضان، على اعتبار أن المنتج هو المموّل والمُتحكم بالمنتج النهائي المعروض على الشاشة، ترْكنا مع بارقة أمل واحدة تُذكِّرنا بإنسانيتنا، حتى الشخصيات الطيبة تحضر في هذه الأعمال باهتةً وضعيفةً ومترددة.
لو قُدّر لأحد كائنات الفضاء زيارة كوكبنا، ومشاهدة بعض من مسلسلات رمضان، لاختار العودة إلى كوكبه من دون النظر إلى الخلف مرة واحدة، كما فعل عامر خان، بطل الفيلم الهندي الرائع "PK"، الذي هبط بالخطأ على كوكب الأرض، وعاش بيننا أياماً قليلة اكتشف فيها خداع رجال الدين، بوصفهم وسطاء بين العباد والرب، ولم يتعلم من البشر إلا الكذب، كما همست الممثلة، أنوشكا شارما، في المشهد الأخير من الفيلم.
بالنظر إلى المضامين البشعة التي تصور مجتمعاتنا غابة، يَظهر أن منتجي الأعمال الرديئة قد جَمَّعوا للجمهور العربي حلقات من "أذى الأفكار القبيحة والعيّ"، بوصف مُبدع "التغريبة الفلسطينية"، ونعتوها، افتراءً، بالفنّ.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.