المسلسلات التركية تُطوّر الدراما العربية

المسلسلات التركية تُطوّر الدراما العربية

04 مايو 2020

الممثلون في "حريم السلطان"

+ الخط -
كانت بداية الدبلجة مع المسلسلات المكسيكية، في بداية التسعينيات، فغدت هذه المسلسلات مع تراكم الحلقات (اللانهائية) تمتلك شريحةً كبيرةً من قلوب المتابعين، وكانت تقدّم بالعربية الفصحى، ولكنها مرّت بسلام، ولم تؤثر كثيرا على تنافس المسلسلات العربية، وخصوصا المصرية والسورية والكويتية، وهي المسلسلات الأكثر شيوعا في جميع القنوات. وقد رافق رحيلها بعض التندّر، حيث يمكنك أن تجد من يتحدّث بالفصحى، ويدّعي أنه يجيد المكسيكية بطلاقة.
ولكن مع دخول موجة المسلسلات التركية، أصيبت الدراما العربية بالحرج، ليس فقط على مستوى المواضيع وطرق الأداء، إنما في قدرتها على اكتساب قطاعٍ واسعٍ من الجماهير لم تشهد له الدراما مثيلا من قبل، فمع المسلسلات التركية أصبحنا مع نوع درامي صارخ في ليبراليته وفي جرأته الاجتماعية، بل أن المسلسلات التركية (وربما هذا من حسناتها) ونظرا إلى جماهيريتها الواسعة، جعلت المسلسلات العربية تعيد حساباتها، وتسعى إلى تقليدها، وتحاول قدر الإمكان البحث عن "سر الخلطة" لسحب جزء من ذلك الجمهور إليها، ولكن من دون أن تتمكّن من زحزحة مكانتها. والسبب هو البذخ الذي نراه في المسلسلات التركية، ويصعب مجاراته، ليس فقط نظرا إلى نقص موارد الإنتاج في قطاع الدراما العربية، قياسا بنظيره في تركيا، إنما كذلك نظرا لقيود ذهنية كثيرة من الصعوبة تجاوزها من دون الخوض في تحدّيات، بينما المسلسلات التركية، المرعية من الدولة، تتحرّك بيسر وحرية كاملتين، في مواضيعها وطرق تقديمها.
لستُ من المتابعين الأوفياء للمسلسلات التركية نظرا لسطحية كثير من مواضيعها، ولكن حين يكون الحديث عنها بوصفها ظاهرة اجتماعية، لا بد من تفحص هذه القدرة الكامنة فيها، والتي استطاعت بها أن تشكل لها قاعدة كبيرة من المشاهدين من الدول العربية، الذين شرعوا يدبلجونها إلى لهجاتهم الخاصة. كما رأينا مثلا مع اللهجة السورية التي كانت لغة المسلسلات التركية الأكثر شعبية، مثل مسلسل "حريم السلطان" الذي حاز جماهيرية واسعة، وكان "أفق انتظار" حلقاته عالي الحرارة، في مختلف البيوت العربية. ويجب النظر هنا إلى ما حققته اللهجة السورية من رواج في هذا السياق. على الرغم من أن المسلسل، وانطلاقا من العنوان، لا يقدّم إلا صورة مجتزأة لحياة الخليفة العثماني، سليمان القانوني، الذي شهدت فترة خلافته فتوحات واسعة، كما عرف بسن القوانين. ولكن المسلسل مع ذلك لم يركز إلا على جانب يبدو خفيا في حياته، ويسهل اللعب فيه، ليثير بالتالي شغف المتابعين وفضولهم، وهو تفاصيل ما يدور في كواليس "الحرملك" من مؤامرات وحروب باردة، من أجل كسب وده وإزاحة كل امرأة أو جارية تحاول أن تمكث طويلا في قلب الخليفة الذي كان يحكم أكثر من نصف العالم. لذلك كان العطف الجماهيري عاليا مع "السلطانة هيام" التي استطاعت أن تكون أما لولي عهده "السلطان سليم"، وذلك لأنها جاءت من خلفية فقيرة، حيث كانت أسيرة حرب ثم جارية، فشقت طريقها بصعوبة وحنكة للوصول إلى قلب الخليفة، وإلى جانب أدائها المتقن، ما جعل الجمهور يتعلق بها كتعلقه بحقيقة أو قضية تاريخية مجهولة، يتم استعادتها عبر الفن.
وبالنسبة للمسلسلات التركية التي تعكس الطابع الحديث للحياة، كما يحدث حاليا مع المسلسلين المعروضين في موسم رمضان الحالي، "فرصة ثانية" وفضيلة وبناتها"، نرى، في الغالب، بوضوح ذلك البذخ التي يتخلل جميع التفاصيل. فمثلا على مستوى الفضاء المنزلي، نحن أمام منازل أنيقة تقع غالبا على البحر، ومحاطة بشوارع نظيفة مبستنة تسرّ الناظرين؛ وأمام ممثلين معظمهم من شريحة الشباب الفتي، المهووس بآخر صيحات الموضة، ويبدو أنهم يتخرجون من معاهد للتمثيل وكلياته، يتضح ذلك من إتقانهم أدوارهم بكل ما يصاحبها من انفعالات حوارية طويلة مشحونة بموسيقى تصويرية ترفع الانفعالات إلى ذروتها. نجد كذلك البذخ في الملابس، فبعض الممثلين يرتدون ملابس جديدة لكل لقطة تصويرية، دلالة على بذخ الإنتاج، الأمر الذي يجعل المسلسلات العربية أمام تحدّ حقيقي على أكثر من صعيد، لكي تتمكّن من الاستحواذ على القطاع الواسع من الجماهير الذي سحبته منهم المسلسلات التركية، على الرغم من إكراهات اللغة ووسيط الدبلجة.
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي