أسئلة اللحظة الفلسطينية الراهنة

أسئلة اللحظة الفلسطينية الراهنة

26 مايو 2020
+ الخط -
على مدى الأسبوع المنصرم، تقاطرت الأسئلة من كل حدب وصوب، أغلبيتها مشروعة، بشأن مدى جدّية إعلان القيادة الفلسطينية، في اجتماعها الطارئ أخيراً، أن "دولة فلسطين ومنظمة التحرير الفلسطينية (وليس السلطة الوطنية) أصبحتا في حلٍّ من جميع الاتفاقيات والتفاهمات مع إسرائيل والولايات المتحدة، ومن جميع الالتزامات المترتبة عليها، بما في ذلك الاتفاقيات الأمنية"، ولا سيما أنه سبق لهذه القيادة أن أعلنت، مراراً، شيئاً من هذا القبيل، وظل الأمر مجرد حبر على ورق.
عدا عن سؤال الجدّية من عدمها، الذي استأثر بمعظم الأسئلة الموضوعية والتشككية، تدافعت أسئلةٌ أخرى لا تقلّ وجاهةً، أولها وأشدّها أهمية يتعلق بقدرة القيادة الفلسطينية على الاستجابة لمثل هذا التحدّي، نظراً للتعقيدات القائمة على الأرض، وثانيها يتصل بمستقبل مؤسسات السلطة ذاتها، أما ثالثها فيدور حول الغايات النهائية لهذا الإعلان: هل لتدشين مرحلةٍ مختلفة، أم محاولة لفتح كوة في الجدار، ومن ثمّة العودة إلى المفاوضات، أم أنه مجرد تحذير آخر لمن يهمه الأمر؟
ستتكفل الأيام المقبلة بالإجابة عن هذه الأسئلة، وعن غيرها أيضاً، إلا أنه يمكن القول سلفاً إن هذا الإعلان ينطوي على قرار كبير فور الشروع بتطبيقه، جرّاء ما سينجم عنه من تداعياتٍ ثقيلة، وبفعل ما قد يليه من مواجهاتٍ ميدانيةٍ ودبلوماسية مفتوحة. ومع أن الإعلان، في حد ذاته، قد لا يكبح إسرائيل عن غواية الضم، وقد لا يُعقلن الإدارة الأميركية الفاجرة، إلا أن مفاعيله كفيلة بنقل الضحية من موقع الدفاع إلى فضاء الهجوم، وبتسخين درجة حرارة التعاطي البارد مع الاحتلال إلى حد الغليان، وقد يشكل نقلةً فارقةً في مجرى الصراع الذي تُرك للنسيان، إن لم نقل سقط عن جدول الأعمال.
مؤكّد أن قرار التحلل من الاتفاقات لم يكن ابن ساعته ليلة الثلاثاء الماضي، تعبيراً عن نزقٍ طارئ أو مجرد "فشّة خلق". وبديهي أن في الإعلان الذي طال انتظاره مجازفاتٍ وفرصاً ورهانات، أحسب أنها كانت محسوبة قبلاً، وخصوصاً أن بعضها تحت سقف الممكنات، وكانت كلها موضع نقاش داخلي، ومحلّ أخذ ورد أشهراً طوالاً، حيث لم تكن شدّة التحسبات وحدها تعوق تفعيل قرارات المجلسين، الوطني والمركزي، وإنما كانت ضغوط الأشقاء والاصدقاء تحول دون ترجمة الأقوال إلى أفعال، بذريعة أن الوقت غير مناسب، وأن عليكم الانتظار، إلى أن طفح الكيل، وما عاد في الصبر متسعٌ لمزيد من الترقب والانتظار.
ذلك أن ما تنوي إسرائيل ضمه من أراضي الغور والمستوطنات، وفرضه من سيادة على الضفة الغربية، أخطر من نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وأثقل وطأة من مصادرة أموال المقاصّة، وأشد هولاً من كل انتهاكٍ قارفته الدولة المنتشية بسكرة القوة، فقد كان نكبةً جديدةً، الأمر الذي لم يعد مفرٌّ معه من أخذ المخاطرة، والإمساك ما أمكن بزمام المبادرة، وإعادة خلط الأوراق، وربما إيجاد نقطة تحوّل في مجرى الصراع، تفضي إلى زيادة حدّة الاشتباك متعدّد الأشكال، وتغيير قواعد لعبة القاضي والشرطي والجلاد، من دون التفريط بالمكتسبات الكيانية المتحققة بالعرق والدموع والدماء.
نقول ذلك وفي الذهن مطالب المتربصين بالمشروع الوطني الاستقلالي، الداعين بإلحاح الى حل السلطة الفلسطينية، تسليم المفاتيح لنتنياهو، وإلغاء اتفاق أوسلو، أي تقديم هدايا بالجملة إلى غلاة اليمين الفاشي، الساعين بلا هوادة، بالأفعال وليس بالكلام، قبل أصحاب الرؤوس الحامية هؤلاء، إلى قبر اتفاق أوسلو جهاراً نهاراً، ووأد حل الدولتين بالقوة المعربدة وبالتوسع الاستيطاني، والتخلص من كل نصٍّ قانوني أو مظلة دولية تغطي نضال الفلسطينيين، وتشرعن كفاحهم على طريق الحرية، وتحميهم من حملات الإبادة الجماعية، ومن ثمّة التعامل معهم بلا رادع، وبلا رقيب أو حسيب، على نحوٍ يجري مع قطاع غزة.
وإلى أن تنجلي الأسئلة المطروحة عن إجاباتها المحتملة، يجوز لنا الاعتقاد، في هذه اللحظة الفلسطينية الحرجة، أننا لسنا بصدد تكتيك أو مناورة أو مراوغة جديدة، بل أمام عملية انفكاك متأنية، تزن أفعالها بدقة، تحسب الحساب لكل خطوة، ولا تفرّط بمنجزاتها المؤسّسية المتحققة، وهو ما يتطلب تغيير وظائف السلطة التي لم يأتِ الإعلان على ذكرها.
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي