لبنان: 100 يوم حكومية

لبنان: 100 يوم حكومية

23 مايو 2020
+ الخط -
في عالم كرة القدم، يُعتبر فوز منتخبات، مثل البرازيل وألمانيا والأرجنتين، بكأس العالم "إنجازاً" يُحتفى به، ويُعدّ فوز منتخبات من الصفين، الثاني والثالث، على هؤلاء ولو في مباراة ودية "إنجازاً" بحدّ ذاته. الإنجازات عملياً، مطّاطة، لأن مقياسها يتمّ عبر معايير محدّدة، من قدرات وموارد وبنى تحتية وغيرها. في لبنان، الوضع مختلف تماماً، فكل شيء يخرج عن القاعدة هو "إنجاز". "الإنجازات" هنا عبارة عن "أنا لم أسرق كغيري"، أو "لم أقم بتوظيف أنسبائي في الدولة"، أو "لم أقم بتحويلات مالية إلى الخارج". يصفّق الجمهور. إنها إنجازاتٌ حقاً عظيمة، على اعتبار أن توقيف السارقين ووقف توظيف الأنسباء واسترداد الأموال المحوّلة أو المنهوبة لن تكون "إنجازات" إذا حصلت. يُقال إن الأمر مقبولٌ، لأن الماضي كان مليئاً بالشبهات والفساد والأخطاء الكبرى بحقّ ميزانيات الدولة والاقتصاد اللبناني وودائع الناس، لكن لا أحد يريد الإمساك بالمجرمين والفاسدين، على اعتبار أن "السلم الأهلي يصبح مهدّداً". طبعاً، فوفقاً لهم إن الواقعية السوداء تقتضي، في مثل هذه الظروف، الخضوع لمنظومة محدّدة، تحت شعار "حكم الأمر الواقع" والتلهّي بإنجازاتٍ لا تُغني ولا تُسمن. في المقابل، نستجدي الكوكب بأسره لأن "لبنان سيجوع مع نهاية العام الحالي" .. أي إنجازاتٍ هذه إن لم تأخذ بعين الاعتبار مفهوم الانتفاضة على كل ما سبق؟ 
حسناً، هناك إنجازاتٌ عدة على الحكومة أن تحققها، فبين حين وآخر تقع اشتباكات في مناطق لبنانية بين عشائر وعائلات، تنتهي بالصلح العشائري وتقبيل اللحى. نعم، نحن في العام 2020، ولا تزال عائلاتنا تتقاتل وكأنها في زمن القرون الوسطى، بالقذائف والصواريخ، ويسقط قتلى وجرحى، وينتهي الأمر بإشراف حزبي على إجراء مصالحة، بدلاً من قيام الدولة بأدنى واجباتها، وهو فرض الأمن في تلك المنطقة، خدمةً لسكانها من جهة، ومنع فرز جيل جديد ينخرط في القتال العبثي من جهة أخرى.
تريد الحكومة إنجازاً حقيقياً؟ إذاً لتمنع اللبنانيين من دفع فواتير الكهرباء مرتين شهرياً، مرة للدولة وأخرى لأصحاب المولدات، القطاع الذي نشأ على خلفية التقنين الكهربائي منذ تسعينيات القرن الماضي. لتوحّد قطاع الكهرباء، فالحلول أبسط مما تظنّ. لتنظّم الدولة قطاع النفايات، لا يحتاج الأمر إلى أكثر من قرارٍ صغير، لإزالة جبال القمامة في كل أرجاء البلاد، ولم لا، تحويلها إلى طاقة كهربائية. كما أن سلوك الحكومة في مسألة فيروس كورونا لم يكن واضحاً، إذ لم تتمكّن من وضع خطة فعلية لمواجهة الفيروس، لناحية الحجْر الصحّي ومنع التجوّل، ولم تضع خطة لتأمين حاجات الناس في حال الحجْر، فترى تعبئة عامة مشدّدة بضعة أيام، ثم ترى احتفالاً شعبياً في منطقة مكتظة، وكأن لا فيروس ولا وباء في الكوكب.
هل يعني هذا أن البديل من حكومة حسان دياب هو الأحزاب التي حكمت لبنان؟ طبعاً لا، فتأثيرها المدمّر أوصل البلاد إلى ما هي عليه. لا يمكن لنا انتظار "منقذٍ" ما من رحم هذه السلطة، والتسويق لشخصيات محدّدة تحت شعار "أحسن من غيره". يبدو الأمر وكأننا نطلق النار على أقدامنا. أنظروا فقط إلى سجالاتهم وتصريحاتهم في الأسابيع الأخيرة، منهم من فتح معركة رئاسية مبكرة في بيته أو قصره، من دون الشعور بجوعٍ أو فقرٍ، فلا يهمّ هؤلاء الرقص على تلال من الدماء والفقر والجوع، طالما انتصروا على الآخر، وأشبعوا "الأنا" النرجسية، على الرغم من أن الرئاسيات اللبنانية مقرّرة في عام 2022.
تريد الحكومة إنجازات؟ هناك ملفات في القضاء اللبناني موضوعة في الأدراج، يمكن "مكننتها" وتصحيحها وإخراجها إلى العلن. لن تجد الحكومة ورئيسها دياب فرصة أفضل من هذه لمحاسبة أركان الماضي البائس، وكسب ثقة الناس في لبنان، أما غير ذلك فإن أي بناءٍ على أسس الماضي وأفكاره سيؤدي إلى انهياره بصورةٍ أسرع مما يمكن تخيّله.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".