وزارة الكاظمي .. الوعود والآمال العراقية

وزارة الكاظمي .. الوعود والآمال العراقية

17 مايو 2020

الكاظمي يتراس اجتماعا لمجلس الوزراء في بغداد (12/5/2020/الأناضول)

+ الخط -
بعد انتظار كاد فيه العراقيون أن يفقدوا أملهم برحيل وزارة عادل عبد المهدي، المستقيلة منذ خمسة أشهر، استطاع رئيس الوزراء الجديد، مصطفى الكاظمي، أن يحصل على توافقات معظم الكتل والأحزاب داخل قبة البرلمان العراقي، منهياً بذلك هواجس وشائعات كثيرة شكّكت في قدرته على تحقيق هذا الإنجاز، وسط أوضاع محلية وإقليمية ودولية بالغة التعقيد. 
المشهد المتمثل بأداء الكاظمي القسم أمام مجلس النواب العراقي قسّمَ المراقبين إلى قسمين؛ يرى أحدهما أن في برنامج هذا الرجل مؤشرات إيجابية، وتبشر ببعض التغيير نحو الأفضل. وعليه، هم يرون أن يمنح بعض الوقت ليرى الجميع درجة صدقه، أو قدرته الفعلية على تحقيق ما يعد به، خصوصا على مستوى اجتثاث الفساد وحصر السلاح بيد الدولة. أما القسم الآخر فيرى أن وزارة الكاظمي ما هي إلا امتداد لنمط الوزارات التي تشكلت في العراق "الجديد" منذ عام 2005؛ أي، وزارة محاصصة حزبية وطائفية وبشكل علني من دون أي مراعاة لأوضاع العراق السياسية والاقتصادية والصحية والأمنية، وبالتالي فإن أداءها المتوقع، بعيداً عن الوعود التي أطلقها الكاظمي في برنامجه، سيكون امتداداً أيضاً لسلسة الإخفاقات والفساد وفقدان القدرة على تحقيق الاستقلال والسيادة الوطنية.
وللإنصاف؛ وزارة الكاظمي، وإن كانت وزارة محاصصة فعلاً، وهذا بات عرفا سائدا لدى الطبقة السياسية المتنفذة في العراق، إلا أنها حوت في تشكيلتها أسماء وعناوين يمكن أن تشكل فرقا في 
القدرة على تنفيذ إرادة رئيس الوزراء المعلنة، وخصوصا في وزارتي الداخلية والدفاع، فقد أنيطت مهمة هاتين الوزارتين لضباط مهنيين، هم نتاج المؤسسة العسكرية العراقية الوطنية قبل الاحتلال، ثم كان لهم دور أساس في تشكيل الجيش العراقي الجديد، فالحرب على الإرهاب وهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الإرهابي، وهي المرة الأولى التي يكون فيها على رأس هاتين الوزارتين المهمتين جداً، قياساً بأوضاع العراق المضطربة والمخترقة إقليمياً ودولياً، ضباط لا يعنيهم كثيراً تنفيذ أجندة الأحزاب التي رشحتهم لتسنم هذه الوزارات، بقدر اهتمامهم بعدم تلويث سمعتهم وشرف العسكرية، وقيمهم العشائرية والوطنية.
بدأ الكاظمي مشواره الرسمي بالاهتمام بموضع رواتب المتقاعدين، ثم قراره تشكيل لجنة للتحقيق في أعمال العنف التي رافقت الاحتجاجات المناهضة للحكومة والطبقة السياسية الحاكمة، وإطلاق سراح المتظاهرين الموقوفين غير المتورّطين بالدم العراقي، وأيضاً تقديم الدعم اللوجستي وتوفير كل الإمكانات المتاحة للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، بما يمكّنها من إجراء الانتخابات المقبلة، كما استخدم الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لبث رسائل تهديد إلى العاملين في مجالات بيع الوظائف، التوسط غير المشروع، وخطف المواطنين وترهيبهم .. إلخ، مفادها أنه سيضرب بيد من حديد كل من يتعامل بهذه الواجهات الهدّامة لكيان الدولة وهيكلية عملها، لتوفير الأمان والاستقرار في الأوضاع الداخلية للعراق. وهكذا فعل وزير داخليته، عثمان الغانمي، الذي هدد بقطع يد كل من تسوّل له نفسه بيع المناصب في وزارة الداخلية.
الفريق الآخر، والذي يرى الكاظمي امتدادا لمن سبقوه، وأنه ابن العملية السياسية التي أسّست للمحاصصة والطائفية في العراق، يرتكزون على سجل الرجل وضبابية تاريخه السياسي، وأغلب هؤلاء يعتقدون أنه جاء بتوافق أميركي - إيراني غريب، لكنه مفهوم؛ فالكاظمي، بحكم موقعه رئيسا لجهاز المخابرات العراقي، وصلاته الوثيقة بالطرف الأميركي وعلاقاته الجذرية ببعض الكتل الكردية الرئيسة ومعظم الكتل السنيّة، إضافة إلى صلاته العميقة وغير المعروفة تفصيلياً مع إيران التي منحته الضوء الأخضر، وقبلت بموجبه الكتل الشيعية السبعة ترشيحه للمنصب، باستثناء كتلة نوري المالكي، يمثل رجل المرحلة القادر على نزع فتيل "روح الثورة" لدى الشباب العراقي الآن، من خلال إعادة زرع "روح الأمل" فيهم، عبر تخفيض نسب البطالة وتوفير فرص لحياة أفضل، من خلال تطوير جانب الخدمات العامة في البلد الذي أهمل فيه هذا القطاع منذ أكثر من 17 عاماً.
يقال عن رئيس الوزراء العراقي الجديد إنه مفاوض ووسيط جيد بين القوى السياسية. ومن هذا
 المنطلق، تراهن بعض الكتل التي وافقت على قبول ترشيحه لهذا المنصب على عدة أمور، منها العمل على إقناع المتظاهرين في بغداد والمحافظات بإيقاف تظاهراتهم واعتصاماتهم، ومنح وزارته الفرصة لتذليل العقبات أمام تحقيق مطالبهم؛ أي تحويل مطالب الانتفاضة الشعبية الخاصة بإلغاء العملية السياسية، وكل التفاصيل المرتبطة بها، إلى تحقيق مطالب مادية ترتبط بالبطالة وتوفير فرص العمل، كذلك فإن مهارة الكاظمي التفاوضية ومكره وسيطا يمكن أن توجد تقارباً إيرانياً - أميركياً ينزع فتيل التوتر بين البلدين على أرض العراق، وقد تكون آمال إيران أبعد من ذلك أيضاً.
يقف رئيس وزراء العراق الجديد بشكل واضح مع التظاهرات العراقية، بشرط أن تحافظ على سلميتها، ولكن قادة الحراك الشعبي لا يمكن أن يركنوا للنيات، أو الجمل المنمقة للكاظمي، بعد أن قدّموا مئات الأرواح وآلاف الجرحى، إنهم يريدون أن يلمسوا فرقاً، وهذا الفرق يتمثل ربما بسحب الأسلحة من المليشيات ومحاسبة قتلة المتظاهرين في محاكم خاصة وعلنية، محاسبة الفاسدين وإعادة الأموال العراقية المنهوبة، تحديد أطر لا لبس فيها لحدود العلاقة مع دول الجوار لتأكيد السيادة العراقية، إضافة إلى الطلبات الخدمية والمعاشية الأخرى. لهذا كله، عادت التظاهرات وبقوة إلى الشوارع العراقية. وتحتمل هذه العودة طريقين: الأولى داعمة لتوجهات الكاظمي المعلنة، ذلك أن رسائل القوة من الشعب تزيده قوةً وإصراراً على تحقيق وعوده، وتجاوز القوى السياسية في المنطقة الخضراء. والطريق الأخرى ضاغطة على الرجل لكشف محاولاته كسب الوقت مع المتظاهرين، وإجباره لاحقاً على ممارسة الأسلوب نفسه لسلفه، وبالتالي تتسع دائرة التظاهرات إلى عموم العراق.
فرص الكاظمي في الخروج بالعراق من الأوضاع الصعبة ضئيلة، لكنها موجودة؛ فهو لا يرتبط بأي من الأحزاب أو الكتل السياسية المعروفة هناك، وهذه ميزة تحصّنه من الإملاءات، كما أنه يمسك بكل الملفات الأمنية والاستخبارية عن كل الأطراف الممسكة بالعملية السياسية العراقية. ولديه دعم دولي وإقليمي واضح. والأهم مآلات تحرّكه على نبض التظاهرات العراقية، وصولاً إلى الانتخابات المقبلة، والتي إما أن يكون فيها الزعيم الجديد للعراق أو أن يطاح، بموجب معادلات إقليمية تراقب الأوضاع في العراق عن كثب.
F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن