توكّل كرمان تهدّد حرية التعبير

توكّل كرمان تهدّد حرية التعبير

11 مايو 2020
+ الخط -
صودف أن خبر عضوية الناشطة اليمنية، توكّل كرمان، في مجلس الإشراف العالمي على "فيسبوك" و"إنستغرام" ذاع، في اليومين الماضيين، مع انتشار فيديو في "السوشيال ميديا"، يظهر فيه مصري في السعودية، مكبّل اليدين، وشبه عارٍ، يسحلُه شخصان على الأرض، عند اعتقاله، بعد دعوته الجالية المصرية في جدّة إلى التظاهر أمام قنصلية بلدهم، احتجاجا على تجاهل الحكومة مطالب مئات العمال بإعادتهم إلى مصر. والمصادفة هذه كاشفة، لأن سُعارا مجنونا (مع الاعتذار، بسبب تقليدية هذا التعبير) أصاب الإعلام في مصر والسعودية والإمارات والبحرين، بتلويناته الإلكترونية خصوصا، وتنويعاته الرسمية وغير الرسمية والبيْن بين، وهو يعطي خبر توكّل كرمان اهتماما فادحا، لاستنكار تعيينها في مجلس "فيسبوك"، ولإظهار فزعٍ مريع، بسبب هذا الأمر، فكرمان، إخوانيةٌ إرهابيةٌ (بالحرف)، وعضويتها هذه "تلوّث" (بالحرف أيضا) "فيسبوك"، ومعروفة بانتصارها لتنظيمي داعش والقاعدة، كما أنها من أدوات حلف قطر وتركيا لتنفيذ مخطّطاته لزعزعة الاستقرار في المنطقة، بحسب نائبٍ مصري. كما أنها وخطاب الكراهية صنوان، بتعبير مغرّد إماراتي، يُعرَّف بأنه أكاديمي. وذلك عدا عن أن "جائحة" فيسبوك هذه (بالحرف، مع الاعتذار من التكرار)، أخذت بعضَهم إلى الدعوة إلى مقاطعة موقع التواصل الاجتماعي الشهير.
يصلح كثيرٌ مما ينكتب ضد الناشطة اليمنية، الحائزة على ثلث جائزة نوبل للسلام، منذ خبر مجلس "فيسبوك"، عينةً مثلى للتدليل على المبلغ الذي وصلت إليه سفاهات المقيمين في ضفة الثورات العربية المضادّة، وكارهي الديمقراطية، ومشايعي الاستبداد وحكم العسكر، سيما ممن يتدثّرون بأزعومات التنوير والتحديث وتجديد الخطاب الديني. ولمّا غرّد هؤلاء وكتبوا إن حرية التعبير عن الرأي في العالم صارت مهدّدة، بعد اختيار توكّل كرمان في المجلس الجديد (ضمن 20 عضوا، سيتبعهم تعيين 20 آخرين)، فإن ثمّة أرطالا من الكوميديا السمجة في إشاعة هؤلاء مخاوفهم هذه، فلم تُصادَف لأيٍّ منهم أي مفردة تعاطفٍ مع شادي حبش وجمال خاشقجي وعبدالله الحامد ولجيْن الهذلول وأحمد منصور وعلاء عبد الفتاح وعلياء عبد النور ومريم البلوشي وأشرف فياض ونبيل رجب، وغيرهم من ضحايا العسف وسجنائه في مصر والسعودية والبحرين والإمارات. وكان في محلّه استهجان كاتب مصري زميل، دوّن إن 700 موقع إلكتروني أغلقتها السلطات المصرية، في وقت سابق، ولم يفتح أمثال هؤلاء "حنكهم"، فيما أصابهم ذعرٌ من توكّل كرمان "كارهة مصر والمصريين" ( ...)، وقد صارت عضوا في مجلسٍ من مهمّاته مكافحة خطاب الكراهية في "فيسبوك"، وأصابهم مسٌّ من جنون، كما نظراء لهم في غير بلد عربي، سيما العربية السعودية والإمارات، فمن شأن فعلة موقع التواصل الاجتماعي الأكثر استخداما في المشرق العربي "تمكين جماعة الإخوان المسلمين من مراقبة المحتوى في المنطقة العربية".
لم يأت هؤلاء، في مصر وغيرها، وهم الذين تستبدّ في حشاياهم غيرةٌ كثيرة على حرية التعبير في العالم، على فداحة جريمة إهانة المواطن المصري، حسام ماضي، في جدّة، على أيدي رسميين سعوديين (على الأرجح)، ولم يكن في وسعهم أن يفعلوا، فقد خرسوا في وقائع بلا عدد، كان فيها العدوان على الحريات الفردية والعامة، وعلى الناس وكراماتهم، ظاهرا ومعلنا. ويجوز الاجتهاد هنا أن هؤلاء، في المواقع الإلكترونية والحسابات الحقيقية والوهمية التي تم تصنيعها لهم، سيكونون أكثر المتضرّرين من مجلس الإشراف العالمي على "فيسبوك" و"إنستغرام"، لأن مهمّاته، كما أعلن عنها، تتعلق، غالبا، بما يقترفه هؤلاء من تدليسٍ وافتراء وإشاعةٍ للكراهية وانتصارٍ للاستبداد وامتداحٍ للقتلة، فالمجلس سيركّز في عمله على الحالات التي لها تأثير في العالم الحقيقي، وسيعمل على تحديد الخط الفاصل بين حالات الانتقاد وخطاب الكراهية. وحسب مدير السياسات العامة في "فيسبوك"، برنت هاريس، "المحكمة الجديدة بداية تغييرٍ جديدٍ في الطريقة التي ستتخذ فيها بعض القرارات حول المضمون الأصعب في فيسبوك".
يجوز أن نتحسّب من أي رقابةٍ على المضامين في "فيسبوك"، وضروري ربما أن يُطرح ألف سؤال وسؤال عن مقادير الموضوعية والمهنية التي سيتم الاستئناس بها في عمل المشرفين على محتوى الموقع، بيد أن فيهم رئيس تحرير سابق لصحيفة الغارديان، ورئيسة وزراء سابقة للدنمارك، وخبراء في القانون الدستوري والحريات الدينية، وقضاة، من عدة دول، الأمر الذي يبعث على قدر كبير من الاطمئنان. أما عضوية توكّل كرمان بينهم فأسعفتنا بمعرفةٍ أوفى بخرابٍ مريعٍ بين ظهرانينا، نحن العرب.

دلالات

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.