لبنان: حكاية خطة اقتصادية

لبنان: حكاية خطة اقتصادية

02 مايو 2020
+ الخط -
طرحت الحكومة اللبنانية، أول من أمس الخميس، خطتها الاقتصادية التي ستعتمد على المجتمع الدولي بالكامل، تحديداً صندوق النقد الدولي، فضلاً عن الحصول على أموال المانحين في مؤتمر "سيدر" (إبريل/ نيسان 2018)، للانطلاق في مرحلة جديدة، بهدف معالجة تراكمات الفساد والهدر والسرقة وسوء الإدارة طوال سنوات ما بعد الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990). في العناوين العريضة، تلحظ الخطة "افتراضات" كثيرة للفترة بين عامي 2020 و2024، فالدراسات الموضوعة عن أحجام الإنتاج والتصدير وسعر صرف الدولار مستندة إلى أرقام متفائلة، وتعتبر أن موافقة صندوق النقد الدولي على الورقة أمر حتمي. تلحظ الورقة أيضاً رفع الدعم عن قطاع الكهرباء ووضع حدّ أدنى لأسعار الوقود، مهما بلغت الأسعار العالمية، وصولاً إلى مكننة إدارات الدولة، وخفض عدد موظفي القطاع العام، مع تأكيد غير مباشر على ارتفاع معدلات الفقر، بفعل الإشارة، في أحد بنود الورقة، إلى تقديم الدعم المالي للعائلات الفقيرة. بالإضافة إلى ذلك، الخطة الاستثمارية للحكومة مركّزة بشكل أساس على عامل "التصدير"، أي "افتح مصنعاً وبع للخارج" من أجل الحصول على العملات الأجنبية لتدعيم معالجة الدين وفوائده في المصرف المركزي. أما الأهم فهو اعتبار الأموال المنهوبة مصدراً بالغ الأهمية في تمويل الخطة الحكومية من الجهة اللبنانية، وتتقدّم على حجم الضرائب المتوقع جبايتها خلال السنوات الأربع المقبلة.
وبانتظار موافقة المجتمع الدولي من عدمه على الخطة، يمكن أن تخضع كل الفرضيات للنقاش، إلا أن ملف الأموال المنهوبة يبقى فضفاضاً، لأن المتهمين فعلياً بسرقة المال العام، وبنسب متفاوتة زمنياً في الانخراط بالسلطة، هم كل من شارك في حكم لبنان منذ عام 1992. ما يعني أن التعاطي مع هذا الملف سيكون سياسياً، خصوصاً أن الحكومة لم تولد من رحم انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول (2019)، بل إن كل الأحزاب عمدت إلى إعادة إنتاج السلطة، وتسليم مفاتيح السراي إلى رئيس الحكومة الحالي، حسان دياب، وهو ما ظهر في عملية منح الثقة البرلمانية لها. بالتالي، تحتاج استعادة قرشٍ واحد منهوب إلى توافق جميع القوى السياسية الحالية، وهو أمر غير وارد. كما أن فريق 8 آذار، الحاكم عملياً، هل سيسمح بأن تطاول عملية استعادة الأموال أي فرد في فريقه؟ إذاً، عن أي استردادٍ لأموالٍ منهوبة نتحدّث؟
لا تلحظ الخطة أيضاً حدوث توتر أمني في لبنان، لا في الداخل ولا على الحدود مع فلسطين المحتلة في مواجهة الإسرائيليين. وهو أمرٌ، إن حصل، سيؤدي إلى إعادة النظر كلياً في الدعم الدولي للبنان. عدا عن ذلك، فإن المصادفة وحدها جعلت من عام 2022 عاماً انتخابياً، ففيه سيتم إجراء الانتخابات البلدية والانتخابات النيابية والانتخابات الرئاسية، ما لم يتم تأجيل بعضها أو التمديد لرئيس الجمهورية ميشال عون. ولمن لا يعرف لبنان، فإن الجو الانتخابي هو نمط حياة يعيشه اللبنانيون كل يوم، ويؤدّي إلى توترات سياسية تنعكس سلباً على الوضع الاقتصادي. لم تلحظ الخطة الحكومية بنداً احتياطياً في حال توتر الوضع السياسي، وتوقّف تدفّق المساعدات المالية.
الأهم أن الإصلاح المالي الموعود غير مواكب بإصلاح سياسي ـ قضائي ـ أمني، لا لناحية محاسبة من تورّط في إيصال لبنان إلى هذا الوضع، ولا في تشريع قوانين مرنة تساهم في تسريع الحياة الاقتصادية، عبر رمي المنظومة البيروقراطية السابقة في سلة المهملات، ولا في الإمساك بالعصابات المسيطرة على مناطق وقطاعات عامة وخاصة عدة في لبنان، ومحمية طائفياً وسياسياً. أكثر من ذلك، كيف يُمكن للدولة التعاطي مع رافضي التعاون في ملف الأملاك البحرية والنهرية المنهوبة؟ هل ستزجّهم في السجون؟ هل ستقول "لا" في وجه الأحزاب والطوائف؟ طبعاً لا. بالتالي، ما يحصل عملياً هو محاولة استيعاب الأزمة الحالية بالعدّة القديمة، وهو رهان خاسر.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".