هذه المتشابهات مع "عدوى"

هذه المتشابهات مع "عدوى"

10 ابريل 2020
+ الخط -
"أفضل دفاعٍ لدينا هو التباعد الاجتماعي، عدم المصافحة، والبقاء في المنزل عندما تكون مريضا، وغسِّل يديك كثيرا" .. نصيحة طبيبٍ في مركز أميركي لمكافحة الأمراض والوقاية منها، يؤدّي دورَه في فيلم "عدوى" (Contagion) الأميركي (إنتاج العام 2011) الممثل لورانس فيشبورن الذي اختير، أخيرا، مع ثلاثةٍ من زملائه في الفيلم للمشاركة في إعلانٍ دعائيٍّ ينصح الناس، للوقاية من الإصابة بفيروس كوفيد - 19، بالنصائح نفسها في الفيلم. يقول فيه، "ببساطة، أفضل طريقٍ يجب اتّباعها لوقاية نفسك من الإصابة بالفيروس التصرّف كما لو كنت مصاباً فعلياً به". وفي الإعلان نفسه، تقول النجمة كيت وينسليت، والتي تؤدّي في "عدوى" دور ضابط مخابراتٍ تتقصّى وباءً يتسبّب به فيروس، وتُصاب وتموت، "اغسل يديك كما لو أن حياتك كلها تتوقف على ذلك". وقد طيّرت الأخبار أن الممثلين الأربعة ردّوا بالإيجاب، لمّا طلبت منهم كليةٌ للصحة العامة في جامعة كولومبيا المشاركةَ في فيديو الإعلان المجاني (متوفّر في "يوتيوب"). والظاهر أن أصحاب هذه الفكرة توسّلوا الإفادة من الرواج الهائل الذي استجدّ للفيلم، بعد أن تقاطر إلى مشاهدته في الإنترنت الملايين في العالم أخيرا (أحدُهم كاتب هذه الكلمات)، مع ذيوع كتاباتٍ عنه جاءت على مواضع مشابهاتٍ كثيرة فيه مع الحادث حاليا منذ طرأت جائحة كورونا. ولمّا صرنا نعرف، نحن غير ذوي الثقافة السينمائية الواسعة، أن أفلاما غير قليلة، أميركية خصوصا، بعضُها شائقٌ ومتقن، أُنجزت منذ العام 1955، جاءت على موضوعة انتشار أوبئةٍ تتسبّب بها فيروسات، فالظاهر أن "عدوى" هو الأقرب إلى صحّة ذلك الكلام عن قدرة المخيلات المبدعة على استشراف وقائع ممكنة التحقق. 
صحيحٌ قول كاتب سيناريو هذا الفيلم، سكوت بيرنز، إن أوجه التشابه بين عدوى فيروس كورونا وعدوى فيروس الفيلم غير مقصودة، وإن الأكثر حساسيةً وأهميةً استجابة المجتمع وانتشار الخوف والآثار الجانبية لذلك. وقد أتقن الفيلم (إخراج ستيفن سودربرغ) تشخيصَ هذه الأجواء (منها التدافع على الشراء في المتاجر، الكبرى والصغرى). ولافتٌ، إلى حدٍّ مدهش ربما، قول بيرنز إنه لمّا كتب "عدوى"، (أي قبل العام 2011) استشار خبراء في الأوبئة وشؤون الفيروسات، من منظمة الصحة العالمية وغيرها، وقالوا له "إن تفشّي المرض ليس ماذا لو؟ بل مسألة متى؟"، ما قد يجيز سؤالا عمّا إذا كان تجبّر "كوفيد - 19" في الكون كله، منذ نحو ثلاثة أشهر، هو الإجابة عن سؤالهم ذلك. والذين شاهدوا الفيلم، الحسن الصنعة، والجذّاب في تتابع وقائعه، (وإنْ وقع في تفاصيل زائدة ربما؟)، وبالأداء الحاذق لممثلين فيه، مطالبون بالتضرّع إلى ربّ البريّة ألا يفتك فيروس كورونا بمليونين ونصف مليون شخص في الولايات المتحدة و25 مليوناً في العالم، كما فعل فيروس إم آي في – 1 في الفيلم، فالتشابهات الحادثة بين وقائع في هذا العمل السينمائي ووقائع جاريةٍ نعاينها حواليْنا وقدّام عيوننا على تلفزاتنا وحواسيبنا وهواتفنا، تبعث على الإعجاب والدهشة، ولكن قصة ملايين المتوفين، ضحايا الفيروس، هذه، فالعياذ بالله، المُنجي الرحيم.
أما وأن الصين هي منشأ فيروس فيلم ستيفن سودربيرغ (1963)، كما "كوفيد - 19" في الجائحة الراهنة التي صيّرتنا معتقلين في منازلنا، فذلك ربما انبنى على أن الصين كانت مصدرا لأوبئة سارس (2002) وإنفلونزا الطيور (1996) وإنفلونزا هونغ كونغ (1968) والإنفلونزا الآسيوية (1958). وأما أن نقصانا في الأخلاق يأتي عليه الفيلم، عندما يعمد انتهازيون، يتوسّلون المال ولا شيء غيره، إلى الإسراع في إنتاج لقاحٍ كيفما اتفق، فذلك ما تنبئ به حقائق معلومةٌ عن رأسمالياتٍ ما ينفكّ جشعها يتكشّف. وعن الناس المخلصين، من ممرّضين وأطباء، ووطنيين أميركيين، ومسنّين يستحقون الخلود لشمائلهم الإنسانية العالية، فهم موجودون، وفي غير أميركا أيضا، لم "يصنّعهم" الفيلم الجيد، وإنما نجح في تعيين الخير فيهم، كما في تعيين الشرّ في غيرهم. وإذ ينجح اللقاح الذي تتمكّن طبيبةٌ عالمة، شجاعة، تحقن به نفسَها عند تجريبه، فذلك مما يؤكد المؤكّد، انتصار العلم والعقل، لا الديماغوجيا والشعبويات الرثّة. وفي الذي نرى ونتابع حاليا كثيرٌ من هذيْن، وكثيرٌ أيضا من ذلكما، ولأن الأمر هو هذا، ومع المتشابهات الكثيرات مما في "عدوى" والراهن إبّان "كورونا" الراهنة، فإن أحوالنا في هذه الغضون هي التي تشبه ما في الفيلم .. الشائق حقا.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.