لا بديل عن المحاصصة الطائفية في لبنان!

لا بديل عن المحاصصة الطائفية في لبنان!

09 ابريل 2020
+ الخط -
يبدو أن معالم التغيير المنشود في مقاربات (ومنهجية) الحكم والتحكّم بكل مفاصل النظام والدولة في لبنان لن يُكتب لها التغيير، فلا شيء في لبنان يسير كما يجب أن يسير، فمن بيدهم زمام السلطة لا يزالون يمارسون تأثيرهم المباشر على خيارات "حكومة المستقلين" وأولوياتها في ظل عدم استيعابهم فداحة المرحلة التي يمر بها لبنان، والتي تؤشّر إلى استحالة التغيير في وقتٍ ينتظر فيه اللبنانيون، كما الخارج، برنامجاً إصلاحياً يساعدهم على إنقاذ لبنان من الغرق، فمع كل دورة من دورات التعيينات في الحكومة اللبنانية، يطل ملف المحاصصة، ليكون العنوان الأبرز وفق قاعدة "تقاسم المغانم"، ثم يعود ليختفي، بسبب الخلافات بين القوى السياسية الراغبة في حصص أكبر داخل النظام، من دون الركون إلى آلياتٍ واضحةٍ تلتزم معايير الكفاءة وتكافؤ الفرص. 
وما حصل أخيراً في أزمة التعيينات المالية في حاكمية مصرف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف، وهيئة الأسواق المالية، و‏التي ألقت بثقلها على ‏الحكومة، خير دليل على العقلية التي ما تزال مسيطرة على القوى السياسية، والتي يبدو أنها ما زالت غارقة في خلافاتٍ متناميةٍ على حصصها، غير مكترثةٍ بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والصحية المتفاقمة التي يعانيها الشعب اللبناني الذي كان يأمل أن يكون تحرّكه في انتفاضة تشرين جرس إنذارٍ أخيرٍ لهذا القوى لنبذ الطائفية والتخلص من المحاصصة، ففي وقتٍ كان يجب أن تجهد فيه "حكومة المستقلين"، ومن ورائها القوى السياسية المحرّكة لها، لإعطاء الرأي العام اللبناني المنتفض، والمجتمع الدولي المترقب، إشارات إيجابية وجدّية في المضي بالإصلاحات المطلوبة لنيل المساعدات، يبدو أن ألغام تصفية الحسابات السياسية بين القوى والأحزاب اللبنانية ستنفجر قريباً في معركةٍ مترفةٍ على محاصصات التعيينات بعد تأجيلها (ربما إلى أمد غير محدد وقد لا يعاد طرحها)، بهدف إنضاج التسوية المرتقبة.
ويمكن وضع إنضاج هذه التسوية التي دفعت حسان دياب إلى سحب ملف التعيينات من جلسة 
الحكومة في إطار استمرار بازار الحصص، بعد الانتقادات الكبيرة التي طاولت الأسماء التي تم تداولها، لثلاثة أسباب رئيسية، يتعلق الأول بالموقف الذي صدر عن رؤساء الحكومات اللبنانية السابقين (سعد الحريري وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام)، بعد بيانهم أخيرا، والذي حذّر من الاستئثار والسيطرة على مناصب الدولة، والذي قد يؤسس لمواجهة جديدة في لبنان لن تُحمد عقباها في حال إقرار التعيينات التي تدور في فلك القوى السياسية الثلاث الحاكمة، حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر. ويتعلق السبب الثاني بالخشية والخوف من غضب الشارع اللبناني غير الراضي حتى الآن على أداء الحكومة وممارساتها وأولوياتها، والتي كان مفترضا توفيرها مقومات الصمود للبنانيين، بدلًا من طرح أزمة سياسية جديدة تتمثل في توزيع المناصب وفق مبدأ المحاصصة بين القوى والأحزاب. والسبب الثالث، وهو الأهم بالنسبة لدياب، يتعلق بالخوف من انهيار الحكومة اللبنانية التي يقودها أو على الأقل تصدّعها، بعدما أحدث ملف التعيينات انقساماً كبيراً بين القوى السياسية، سيما بين الحلفاء في فريق 8 آذار، بعد رفع سليمان فرنجية منسوب التهديد بالانسحاب من الحكومة إذا لم يُعط حصته في التعيينات، يضاف إلى ذلك دخول الأميركيين على خط أزمة التعيينات، بإصرارهم على الإبقاء على محمد بعاصيري في موقعه نائبا لحاكم مصرف لبنان. ولذلك فضّل دياب الهروب من المواجهة، والاحتماء وراء مشروع قانون جديد للتعيينات، يعلم هو بنفسه مدى صعوبة إقراره في ظل نظام طائفي كالنظام اللبناني، يستحيل فيه أن تمر التعيينات، إدارية أو قضائية أو عسكرية أو دبلوماسية أو مالية، من دون المحاصصة التي يتوزعها زعماء الطوائف والمذاهب، وكأنما لبنان مزرعة للسياسيين وزعماء الطوائف والعائلات السياسية، كل طرف يلهو بحصته من المزرعة كما يشاء، في اعتداء صارخ على أصحاب الكفاءة من اللبنانيين الذين تغلق في وجوههم المؤسسات الرسمية التي بنيت على أسس طائفية غير سليمة.
ومن المؤسف لـ "حكومة المستقلين"، المفترض أن تكون محايدة سياسياً، وبعيدة عن أي 
اصطفافات، أن تسقط فعلياً في أول اختبار جدّي لها، لمصلحة تأكيد المؤكّد، باستمرار التوظيف السياسي ملف التعيينات واستحضار التقاسم بين أهل السلطة وفق محاصصات محدّدة، لتثبت مجدّداً أنها رهينة لسيطرة حزب الله وحلفائه، فلا انتفاضة الشعب أثرت، ولا حالة الإفلاس مع ما تحمله من مؤشرات الانفجار الاجتماعي أعادت أهل الحكم إلى منطق الرشاد، ولا جائحة كورونا أجبرت أحداً من هؤلاء على تقديم تنازلاتٍ لمصلحة الوطن وأهله، فالأوضاع في لبنان لم تعد تحتمل مزيدا من هذه الممارسات، فلبنان لا يمكنه مواجهة الظروف والمخاطر الراهنة، على مختلف الأصعدة والمستويات، باستمرار ممارسات المحاصصة، ومن دون أن يبادر مسؤولوه وحكومته للقيام بالخطوات الإنقاذية والإصلاحية الصحيحة التي تسهم في تصويب البوصلة، وفي إعادة التموضع على الطريق الصحيح، بما يعيد الاعتبار والاحترام للدولة ولسلطتها، بعيداً عن أحلام السيطرة والاستئثار والانتقام والتحكّم بآلة الدولة ومواقعها.
وبالتالي، فإن استمرار هذه المحاصصات في كل شيء، بما فيها التعيينات، سيبقي لبنان في وضع هش ومشلول سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وسيبقي المؤسسات في لبنان رهينة للولاءات والمحاصصات الطائفية والحزبية، لذا على "حكومة المستقلين" أن تثبت أنّها تلتزم المعايير العلمية في التعيينات، بمعزلٍ عن الانتماءات السياسية، وأنّها تغلّب منطق الكفاءة على ما عداه، الأمر الذي يستتبع معه إعادة تنظيم الدولة اللبنانية على أسسٍ جديدة، تُلغي من قاموسها السياسي والاجتماعي المحاصصات الطائفية في تقاسم السلطة والنفوذ، من خلال تطبيق البند الدستوري الذي ينص على تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، ومنها يتم الانطلاق نحو وضع برنامج مرحلي، لتجاوز حالة الطائفية، وإعادة الديمقراطية إلى مسارها الصحيح.