حياة الفهد وملافظ السعد

حياة الفهد وملافظ السعد

06 ابريل 2020
+ الخط -
مؤكّد أن الإحساس بالخوف كفيلٌ بكشف أقبح ما فينا من اختلالات وتشوّهات نفسية. بتعبيرٍ أدق، قد يكشف اختبار لحظة الخوف الحقيقية جوهرنا الهش وحقيقتنا الصادمة، من دون رتوش أو أقنعة أو محاولات تحضّر وهمية. ولعل التصريح الانفعالي الهستيري الذي أدلت به الممثلة الكويتية حياة الفهد، أخيرا، خير دليل على ما ذهب إليه علم النفس في تعريف الخوف بأنه شعورٌ مؤلم قوي وغامر، يطغى على عقل الإنسان المترقب حدوث أمر سلبي من خطر معين. وقد يكون الشعور حقيقيا أو مجرد أوهام مبعثها اضطرابات هرمونية. وهو في تعريف آخر الشعور الناجم عن الإحساس بالخطر أو التهديد، ما يؤدّي إلى تغييرٍ في وظائف العقل، فيصبح أكثر توحشّا وأنانية. ويرى علماء النفس أن الخوف يرتبط ارتباطا وثيقا بالتوتر، وفي العادة تخدم استجابة الخوف فينا غريزة البقاء على قيد الحياة، فنأخذ الحيطة والحذر والتأهب لمواجهة ذلك الخطر، وقد تؤدّي إلى سلوكياتٍ عدوانية، تصعب السيطرة عليها أحياناً.
من هذه الزاوية، يمكن محاولة فهم الكلام العنصري الذي تفوهت به حياة الفهد، وهي تحت تأثير حالة انفعالية شديدة هاجمت فيه، بشراسة وبأقسى العبارات الممكنة، سياسات حكومة بلدها تجاه الوافدين في ظل أزمة كورونا، مطالبة طردهم من الكويت، حتى لو اقتضى الأمر "قطهم إلى البرّ"، ما يعني رميهم في الصحراء، على طريقة عبقري زمانه، معمر القذافي، في حل مشكلة اللجوء الفلسطيني. وشدّدت الفهد على أن الكويت لن تحتمل تبعات إصابة هؤلاء بالوباء القاتل، وأن الأولوية في تلقّي الرعاية والعلاج للمواطنين فقط، أما الوافدون من مختلف الجنسيات "الله لا يردّهم مش مشكلتها"، بمعنى "من بعدنا الطوفان"، كما همست ذات كارثة الفرنسية مدام دي بومبادور في أذن لويس الخامس عشر. بالبلدي وعلى بلاطة، تدعو الفنانة الكبيرة إلى اعتناق مبدأ "يا روح ما بعدك روح".
طرح كارثي قبيح متوحش تسبب في صدمة كبرى بين محبي الممثلة المخضرمة، وأدّى إلى تحطم شامل لصورتها الجميلة في الأذهان، وهي التي تعد من أبرز فنانات الخليج وأكثرهن تأثيرا. وقد نالت لقب سيدة الشاشة الخليجية، تقديرا لمسيرتها الفنية الطويلة الحافلة بالأدوار الإنسانية النبيلة المحمّلة بقيم الحق والخير والجمال، وقد جرى تكريمها عربياً في أكثر من دولة ومناسبة. وفي سقوطها الإنساني أخيرا، جاء كلامها الجارح البعيد عن الحساسية والذوق ثقيلا وشاذاً، في الوقت الذي يتبارى فيه فنانون وإعلاميون من الغرب (الكافر) في تقديم التبرّعات السخية، خدمة وحرصا على حماية الإنسانية جمعاء.
وقعت السيدة التي أحببناها صغارا، حين لعبت دور "خالتي قماشة" في خطيئة التنكّر والتنصل والأنانية في وقت عصيب، يستوجب توفرا على صور التضامن الإنساني وإنكار الذات. المغزي في الأمر أن الأغلبية العظمى من الشعب الكويتي، المعروف بوطنيته وبنبله وكرم أخلاقه، استنكر هذا الطرح الفاشي غير الإنساني، المتوقع من جنرالات حربٍ قساةٍ غادرت الرحمة قلوبهم الميتة. ولكن لم يخل الأمر من فئة مؤسفة قليلة مؤيدة، لامس الكلام عنصريتهم الكامنة واعتبروه يمثلهم تماما، غافلين عن أن كورونا كارثة كونية، أصابتنا جميعا من دون أدنى تمييز في العرق والدين ومستوى الثراء، من غير أن يدرك هؤلاء من ذوي العرق الأسمى(!) أننا في هذا المصاب الجلل كلنا في الهوا سوا.
أخفقت حياة الفهد، في تصريح لاحق، في محاولة ترقيع ما أمكن من فجاجة ما قالته، زاعمة أن هناك من يتصيد لها، وأنها كانت تقصد أن تُبنى للوافدين مستشفيات خاصة في الصحراء! وكما يقول المثل الشعبي البليغ "أجت تكحلها عمتها بالمرّة". تصرّ الفنانة مرهفة الحس على الفصل العنصري، حتى في مواجهة الوباء، حيث تساوت الرؤوس... صدق من قال الملافظ سعد، يا أم سوزان، الله يهديكِ.
AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.