صدمة كورونا: أزمة ستعبر

صدمة كورونا: أزمة ستعبر

04 ابريل 2020
+ الخط -
لم يخرج العالم من ارتباك صدمة وباء كورونا بعد، فتطوّر وضعية الصدمة ما زال أسرع من تطوّر الأبحاث لإيجاد اللقاحات له. وقد تكون هذه معضلتنا الكبرى في الكوكب: الوباء أسرع منا حتى الآن، مصيباً أكثر من مليون شخص، ومودياً بحياة أكثر من 55 ألفاً آخرين. صدمتنا التي تجعلنا نجمد في مكاننا غير قادرين على التفكير أو التصرّف تطغى علينا في المرحلة الأكثر سواداً في تاريخ البشرية، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945). نظنّ أن كل شيء ينهار من حولنا. أرقام العاطلين عن العمل ترتفع. السلوك الغرائزي يتحوّل إلى أسلوب حياة بدلاً من السلوك الواعي. يستيقظ سكان الكوكب كل يوم، وفي بالهم أسئلة عدة مثل "ماذا سيحصل غداً؟"، "هل سينهار العالم الذي نعرفه؟"، "ماذا لو كنا في طور الانهيار، لكن دورنا لم يحن بعد؟"، "كيف ستنتهي الأزمة؟"، "متى تنتهي؟".
عملياً، كيف يمكن التصرّف في أزمة مثل هذه؟ هل هناك "دروس" تعلّمنا كيفية التحرّك في عالم مظلم في حال اختفت القناديل؟ لا، لكن طبيعتنا المتمحورة حول الغريزة ستجعلنا نثق بحدسنا في مسعانا للبقاء على قيد الحياة. الجنون ليس حلاً، على الرغم من طغيانه، في أحيان كثيرة، على النفس البشرية، خصوصاً إذا ما اقترن بانعدام الأمانيْن، الاجتماعي والوظيفي، فضلاً عن انقطاع المواد الأولية أو ارتفاع أسعارها. في الواقع، لا يمكن لوم أي شخصٍ إذا اتخذ سلوكه مساراً عنفياً، على الرغم من أن تبرير الأمر صعب، لأن "الجميع في مركبٍ واحد"، غير أن قدرات التحمّل تختلف من فردٍ إلى آخر، فضلاً عن ردود الأفعال. الأسوأ أن ارتباك السلطات يساهم في تعزيز المخاوف، فخشيتها تدفعها إلى اعتماد الحلول العسكرية، سواء لتنظيم الحياة اليومية وفقاً لها، أو لحماية نفسها من الانهيار إذا ثَبُت قصرها عن معالجة الأزمة، لأن ولاء العسكر للحاكم يحمي ديمومته مع نظامه، ولنا في المجر بقيادة رئيس وزرائها، فيكتور أوربان، نموذج، بعد أن حوّل البلاد إلى حكم ديكتاتوري باسم الديمقراطية.
يحدث أن يرتبك نظام ما في العالم، فيستغل آخر تردّده لخطف مكانه، إلا في أزمة وباء كورونا. من كان يتخيّل كيفية ارتباك الصين وإخفائها معلومات عدة مع بداية تفشي الفيروس؟ من كان يظنّ أن الولايات المتحدة، التي اعتادت أن تجد الحلول لكل مسألة، تُصبح في حاجة إلى مساعدات طبية؟ من كان يعتقد أن روسيا ـ فلاديمير بوتين ستهبط من عليائها القومية، وتدرك أنها معرّضة أيضاً للفيروس؟ الاتحاد الأوروبي، الذي سعى في تسعينيات مثالية إلى تسويق رؤيته الوحدوية لعالم ما بعد انتهاء الحرب الباردة (1947 ـ 1991)، بات أقرب إلى صراع فكري بين قومياته وإثنياته المتناحرة.
كان هناك حل من اثنين، حتى الآن، إما أن يصطدم العالم بعضه ببعض، منتجاً حروباً كونية متناسلة، أو التعاون لهزم الفيروس. في الواقع، على الرغم من كل الظلامية المحيطة بعالمنا، تحديداً بعد بروز الأجنحة اليمينية المتطرّفة، شرقاً وغرباً، وتصاعد موجات العنصرية في مرحلة ما قبل كورونا، إلا أن مبدأ "التعاون الأممي" بات أكبر من قبل. قد تكون الأسباب عديدة، أبرزها أن الوباء "عدو غير مرئي"، إلا أن فكرةً تعاونيةً كهذه، في كوكبٍ يحكمه في ظرفٍ واحد، فلاديمير بوتين ودونالد ترامب وبوريس جونسون، تبقى أفضل، نسبياً، من مؤتمر يالطا، مع جوزيف ستالين وفرانكلين روزفلت ووينستون تشرشل، التي وإن أطاحت أدولف هتلر، إلا أنها رسّخت مفهوماً تجديدياً للاستعمار، سواء عبر الشركات أو عبر الجيوش أو عبر العقائد السياسية. من حقّ البشر الشعور وكأن الجدران تسوّرهم ولا حلول في الأفق، لكن عليهم الثقة بأمرٍ واحد، أن هذه الأزمة ستعبر، وأن مبدأ "التعاون" البشري هو الأفضل لتمرير هذه الأزمة. لا تضحية في هذا الأمر، بل حياة.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".