ترامب على حق هذه المرّة!

ترامب على حق هذه المرّة!

21 ابريل 2020
+ الخط -
هل هناك إنسان لديه فطرة سليمة وعقل سوي، سبق له أن هجا الرجل البرتقالي، وقال فيه أكثر مما قاله الإمام مالك في شرب الخمر، وصدح بكل ما لديه، على رؤوس الأشهاد، من مآخذ وانتقاداتٍ ضد صاحب "صفقة القرن"، وأغلظ له القول لدى نقل سفارة بلاده إلى القدس، نقول هل يمكن لمثل هذا الإنسان أن يتخلى عن بوصلته السياسية، ولو لبرهة قصيرة، وأن ينقل بندقيته الكلامية من كتف إلى كتف من دون مقدمات، كي يصطف إلى جانب دونالد ترامب في أي مسألة، ولا يقول في سرّه "يا عيب الشوم"؟ 
على هذا النحو، وجدتُ نفسي أمام مفارقة فارقة، قوامها معطيان: موقفٌ مبدئي صحيح ينبغي التمسّك به، وموقفٌ عابر أحسب أنه صحيح أيضاً، صدر عن الرئيس الأميركي إزاء منظمة الصحة العالمية، حين لام رجل العقارات هذه المنظمة الدولية المترهّلة، وألقى عليها تبعات سوء إدارتها أزمة وباء كورونا، وحمّلها مسؤولية انتشار الفيروس، ناهيك عن محاباتها الصين، ثم علّق التزام واشنطن السنوي، وأوقف تبرعات بلاده السخية للمنظمة الأقدم عمراً من منظمة الأمم المتحدة.
ومن غير أن يكون المرء مختصاً بشؤون منظمة الصحة العالمية وشجونها، فقد لقي هذا الموقف الأميركي الصائب، على الرغم من سوء توقيته، الاستحسان من مراقبٍ عن بعد، لديه قدر كبير من التساؤلات والتحفظات، على أداء معظم وكالات الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة، بما فيها منظمة الصحة هذه التي أخفقت في اختبار كورونا، وبدت بالغة النمطية، شديدة البيروقراطية، مترددّة ومسيّسة أكثر من اللازم، إن لم نقل إنها متعفنة، داخل مقرّها الباذخ المطل على بحيرة جنيف الهادئة.
لا يتسع المقام لاستعراض التقارير البائسة، الممهورة باسم هذه المنظمة غنية الموارد، خلال أزمة كورونا، ولا تعداد البيانات الصادرة عن رئاستها المتسامحة مع كل ما صدر عن الصين من إعلاناتٍ ظلت تؤخذ على علاتها، وتُصادق على صحتها من دون تدقيق أو مراجعة، إذ يكفي أن نعيد إلى الذاكرة حقيقة أن هذه المنظمة، التي تضم سبعة آلاف موظف، لم تلتفت إلى ما نشره أطباء صينيون في سبتمبر/ أيلول العام الماضي من تحذيراتٍ بشأن مخاطر هذا الفيروس الذي لم يكن قد تسمّى كورونا بعد، ولم يقلقها أيضاً احتمال انتقاله إلى خارج البرّ الصيني.
في فبراير/شباط الماضي، قالت منظمة الصحة إنه لا حاجة لوضع الكمّامات إلا في الحالات المؤكّدة. وبعد ذلك ادّعت أن الكمّامة ليست مطلوبةً لأناسٍ غير مرضى. وبقيت حتى منتصف مارس/آذار ترفض تسمية كورونا الوباء العالمي، ثم اعترضت، من دون شعور بالحرج، على وقف الرحلات الجوية مع الصين، قائلة إن هذا يشوّش التجارة الدولية. وزادت الطين بلةً عندما زار وفدٌ منها بكين، وأشاد من هناك بما أسماه الرد السريع والناجع للحكومة الصينية على الوباء، في بيانٍ بدا وكأنه صيغ في مقر اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الحاكم.
قبل أن يقرر ترامب تعليق مساعدات بلاده المالية، ويطلب إجراء تحقيق في قصورات منظمة الصحة العالمية، كانت الأصوات تعلو في غير بلد واحد، ضد ما بدا أنه انحياز أيديولوجي لرئيس المنظمة الإثيوبي الجنسية للرواية الصينية المفتقرة للشفافية، فيما دعت منظماتٌ حقوقيةٌ إلى مساءلة الرجل، تيدروس أدهانوم، وليس كادرها المهني. ثم أعقب ذلك نشْر عريضة، عبر الإنترنت، يطالب الموقعون عليها، وقد بلغ عددهم نحو مليون، بعزل أول رئيس طال مكوثه في المنظمة وفي المنصب، عن قيادة هذه المنظمة، القائمة منذ عهد عصبة الأمم.
وفيما تتكاثر الدعوات إلى التحقيق مع منظمة الصحة العالمية، وتزداد أعداد المشرّعين الأميركيين وقادة الرأي العام، ومنصّات الإعلام، وعلماء الأوبئة، ثم قادة الدول الصناعية السبع، المطالبين بالتحقيق مع أول رئيسٍ لمنظمة الصحة غير مجاز في الطب، تتصاعد الشكوك الدولية في رواية بكين عن مصدر الفيروس، وتكتّمها على سرعة انتشاره، ما تسبب في كل هذه الإصابات والوفيات والخسائر الاقتصادية في العالم، الأمر الذي قد يؤسس لرفع دعاوي حقوقية، ومطالباتٍ مالية، تتقدّم بها جمعيات وأفراد أميركيون أمام المحاكم الفيدرالية، للحصول على تعويضات مجزية، من ودائع وسندات خزينة صينية، بمئات المليارات، موظفّة في الولايات المتحدة.
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي