معركة البقاء ضد كورونا

معركة البقاء ضد كورونا

18 ابريل 2020
+ الخط -
كل شيء يستدعي الشعور بالقلق والحزن واليأس والإحباط في سياق المتابعة اليومية لتفشّي وباء كورونا. كل الأخبار تقريباً مرتبطة بالعنف الأسري والبطالة ونقص الغذاء وتدهور الصحة عقلياً وجسدياً ونفسياً وغيرها. كل شيء من هذا يضع الإنسان أمام معيار "الخوف من المجهول" أو "القلق من الغد"، وهذا حقه، خصوصاً إذا تعرّض للآثار السلبية من إفرازات كورونا، من فقدان عمل أو انقطاع أدوية أو تبدّل مسار الحياة اليومي. لا يمكن قمع الآلام مهما قسونا عليها، لأنها ستنفجر بصورة أسوأ، غير أنه لا يمكن السماح لها بالسيطرة على حياتنا، ليُصبح عمرنا الآتي أسير الأشهر الأربعة الأخيرة من عمر البشرية، وبالتالي ضحية وباء فقد زخمه التصاعدي، وبدأ بالتراجع التدريجي. علينا دائماً أن نتذكّر أن الوباء سينتهي، ونحن البشرية، سنبقى حتى إذا خسرنا أحباء وأفرادا، علينا الإدراك أن عدد المرضى الذين هزموا الفيروس تجاوز نصف مليون إنسان في العالم. لا يعني التركيز على تكرار الأنباء الإيجابية طمس السلبية منها، بل إجراء مقارنة تسمح لنا بالصمود.
لم يعد مطلوباً التصرّف بفردية مطلقة في مواجهة المخاطر الناجمة عن الفيروس، ولا التصرّف بطريقة تقليدية عن طريق "توزيع صناديق غذائية" مرفقة بنصٍ إنشائي بديع يبرز فيه "حنان" المتبرّع أمام كاميرات الإعلام في مواجهة إذلال المتلقّي. الحلّ أبعد من ذلك بكثير. المطلوب التعاون فقط. التعاون في الحوارات والإصغاء، التعاون في مدّ يد المساعدة "لأننا جميعاً سواسية" من دون ضجيج إعلامي أو سياسي في سياق "الأنا"، فنحن لا نحتاج صورةً نمطيةً مقيتةً عن "مقتدر" يتنازل من عليائه للتبرّع بعلبة حمص لعائلة فقيرة في ضواح بائسة. التعاون ينطلق أيضاً من تعليق وإلغاء الفواتير الكهربائية والمصرفية والمائية والقروض والأقساط المدرسية فترة، وأي دولة لن تخسر شيئاً بذلك، حتى أن صندوق النقد الدولي فعلها أخيراً بإعفاء 25 دولة من سداد مدفوعات خدمة الديون. علينا الإدراك أنه ليس المطلوب من الدول التحوّل إلى ديكتاتوريات عسكرية ولا قمع الحريات. طبعاً، تستغل دول كثيرة الأزمة الحالية للسيطرة على مواطنيها، ولكن كسر نواياها يبدأ من خلال فرض التعاون عليها وعلى غيرها، فالعولمة الصحيّة هي امتحان عظيم للعولمة المالية والتقنية والاقتصادية التي برزت في عصر ما بعد الحرب الباردة (1947 – 1991). هذه العولمة الصحية التعاونية أفضل سلاح في وجه العصبيات والشعبويات الجوفاء التي تتخذ من العنصرية الدينية والعرقية والقومية شعاراً لها في مواجهة اندماج بشري واسع. العولمة الصحيّة يمكن أن تكون خير نموذج لإنسان المستقبل، وخريطة طريق أمام تأكيد ترابط البشرية بسلسلة واحدة، تنقطع بمجرد أن تصيب أزمة ما شخصاً أو مجتمعاً. الانغلاق على الذات والعزلة في الحجْر الصحي لا يعنيان تحوّلهما إلى قاعدة في التعامل البشري أو السياسي. يمكن لنا الحذر صحياً مع تفعيل التشارك مجتمعياً ودولتياً. لا تعارض في ذلك. لا نحتاج أكثر من هذا، لتشكيل مرتكز يسمح لنا بصناعة عالم أفضل بعد كورونا.
في التاريخ، سبق لدول عدة أن وحّدت قواها عسكرياً لهزيمة عدوٍ عسكري. نستطيع فعلها حالياً لهزيمة أوبئة وأمراض، ولم لا، قد يُسمح لنا بحلّ مشكلات سياسية واقتصادية مستقبلاً، من دون الانزلاق إلى حروب عبثية. ربما من المبكر الحديث بهذا التفاؤل المفرط في مواضيع سياسية واقتصادية، غير أنه يمكن البدء بالتعاون المجتمعي في أي لحظة، من دون انتظار الدولة أو النظام إذا شئنا. يمكننا تخطّي السلوك المتعارف عليه، أن فقدان الإنسان أمانه يؤدي به إلى العنف أو الموت، للبقاء على قيد الحياة. في الواقع، يمكننا اعتماد مقاربة تنطلق من واقع أن ما نفعله اليوم سيكون ذخراً لنا في المستقبل، وإذا صنعنا العنف باسم الأنانية اليوم فلن نحصد سوى الموت الجماعي غداً.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".