في تداعيات هزائم حفتر أخيراً

في تداعيات هزائم حفتر أخيراً

17 ابريل 2020
+ الخط -
ربما لم ترد في خاطر اللواء الليبي المتمرد، خليفة حفتر، وداعميه الإقليميين والدوليين، حالة الانهيار المتسارع التي عرفتها مليشياته المنتشرة في مناطق غرب ليبيا، فقد ظل الإعلام الموالي له يصوّره قائدا عسكريا لا يُشق له غبار، ومثلما ظل يمنح نفسه رتبا عسكرية متتالية، فقد كان أتباعه يغدقون عليه الألقاب والصفات من دون حساب. ولكن المتتبع لمسار المعارك التي وقعت أخيرا يدرك أن مؤشرات تراجع مليشيات حفتر بدأت تظهر في الأفق منذ نهاية العام الماضي (2019). كانت الضربات الجوية لسلاح الطيران المؤيد له عاملا مهما لتقدم مليشياته في مناطق مختلفة في ليبيا، فقد ساعده الطيران المصري والإماراتي واستخدام الطائرات المسيّرة على الانتصار خلال معارك بنغازي (2014-2017) ومعارك درنة (2018). ومع محاولة تمدّد مليشياته نحو العاصمة، ظل سلاح الجو اللاعب الرئيسي الذي استفاد منه خليفة حفتر في ظل القصف المستمر على طرابلس، واستهداف مطار معيتيقة ومطار الكلية الجوية في مصراتة. وما زاد في التفوق الجوي لمليشيات حفتر تزويد الإمارات لها بمنظومات الدفاع الجوي "بانتسر"، ودخول مرتزقة "فاغنر" الروس ميدان المعركة، بخبراتهم العسكرية والميدانية، خصوصا التحكّم في الطائرات المسيّرة بداية من سبتمبر/ أيلول 2019. غير أن بداية انقلاب الصورة، وتغيّر المشهد، تم مع حصول قوات حكومة الوفاق على منظومات دفاع جوي متطورة، وتنصيبها في كل من مصراتة وطرابلس، بداية من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وتمكّنت هذه المضادات من إسقاط طائرة ميغ 23 يوم 7 ديسمبر/ كانون الأول 2019. وفي 28 يناير/ كانون الثاني 2020، أعلنت قوات "الوفاق" تمكّنها من إسقاط طائرة مسيّرة شرق مصراتة، ولتصبح أجواء المدينة محرّمة على طائرات حفتر العسكرية. 
وفي المقابل، بدأ سلاح الجو التابع لقوات حكومة الوفاق يفرض سيطرة تدريجية على سماء 
المنطقة الغربية، عبر سلسلة هجمات على قاعدة الوطية التي يدير منها حلفاء حفتر المعركة. ومنذ الإعلان عن بدء عملية "عاصفة السلام" في 25 الشهر الماضي (مارس/ آذار) تمكّنت قوات حكومة الوفاق من إدارة المعارك ضد قوات حفتر بكفاءة، كما استطاعت تحييد القوات الجوية التابعة لها، وهو ما مكّنها من إيجاد الظروف المناسبة لاستعادة السيطرة على المناطق الواقعة تحت هيمنة مليشيات خليفة حفتر وداعميه، ففي وقتٍ تم صد هجوم عسكري واسع في منطقة بوقرين (200 كلم شرق طرابلس)، وإلحاق خسائر واسعة بمليشيات حفتر ومؤيديه، تمكّنت قوات حكومة الوفاق من السيطرة على ست مدن ومنطقتين استراتيجيتين في أقل من سبع ساعات، ولتجد مليشيات حفتر نفسها ممزّقة، بعد أن فقدت التواصل مع مراكز القيادة. وليتحول المشهد نحو قاعدة الوطية التي أصبحت محاصرة عمليا من قوات حكومة الوفاق، وهو ما أثار حالة من الهلع في صفوف داعمي خليفة حفتر.
تواصل ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، مع الرئيس التونسي، قيس سعيد، وإذا كانت المصادر الرسمية تحدثت عن مباحثات تعلقت بالتعاون التونسي الإماراتي، إلا أن توقيت الاتصال (بعد سيطرة قوات الوفاق على مدن الشريط الساحلي وبداية محاصرة قاعدة الوطية مباشرة) وطبيعة الطرف المبادر بالاتصال (محمد بن زايد) يرجّح الفرضية التي تتردد حاليا عن رغبة إماراتية في الاستفادة من الجغرافيا التونسية، لإيجاد مخرج آمن لبعض المحاصرين في قاعدة الوطية، وفيهم قيادات عسكرية ومخابراتية تابعة لداعمي حفتر، ومنهم إماراتيون. والغريب أن وسائل الإعلام المؤيدة لحفتر لم تتوقف عن مهاجمة تونس، وإقحامها في الصراع الداخلي الليبي، حيث ظلت إحدى القنوات تروّج أن تونس، وبتحريض من حركة النهضة، فتحت الحدود لعبور من أسمتهم الدواعش والمرتزقة السوريين، تطبيقا لاتفاق رئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، مع الرئيس التركي أردوغان، وهو ادّعاء عار عن الصحة، ويكشف حجم التخبط الذي عاشه إعلام حفتر إثر الهزائم أخيرا.
وبغضّ النظر عن مصير قاعدة الوطية ومن فيها، فالأكيد أن "عاصفة السلام" قد عصفت بأطماع 
خليفة حفتر وأفقدته المبادرة من جهتين: أولا من حيث أنه الطرف الذي كان يبادر إلى الهجوم، فيما تكتفي حكومة الوفاق بالدفاع، ليجد نفسه في حالة انكفاء عسكري وهزائم متتالية، سيكون لها أثرها الميداني والسياسي. ومن جهة أخرى، الخطاب المتعالي الذي كان يصدر عن حفتر وداعميه، في رفضهم أي تفاوض مع الحكومة الشرعية في طرابلس، فقد معناه، وهو ما قد يمهد مستقبلا لفقدان حفتر ذاته أهميته لدى مموّليه وداعميه، من دون أن يعني هذا أن لا يحاول هؤلاء الرد بأي طريقة من أجل إثبات حضورهم الميداني في ليبيا، فالهزائم التي تحققت أخيرا أوجدت واقعا مختلفا من الناحية العسكرية، ويبقى استثمارها سياسيا رهينا بمدى حكمة حكومة الوفاق في طرابلس، فالصراع العسكري ليس غاية في ذاته، وإنما الهدف الأسمى استعادة وحدة ليبيا، وبناء نظام سياسي ديمقراطي تعدّدي في ظل السيادة الوطنية على كل الأراضي الليبية.
B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.