صوت سيون أسيدون

صوت سيون أسيدون

04 مارس 2020

سون أسيدون يتحدث إلى تلفزيون العربي

+ الخط -
سيون أسيدون صوتٌ فريدٌ ومنفرد، صوتٌ لا يتكرر لمناضل من الطائفة اليهودية في المغرب، اختار طواعية الدفاع مبكرا عن القضية الفلسطينية، حتى أصبح اسمه في المغرب رديفا للنضال الفلسطيني، وجعل من مناهضة الصهيونية هدفا لحياته، يجوب العالم مناضلا ومحاضرا لكشف إيديولوجيتها العنصرية. حمل على عاتقه أن يجعل من محاربة التطبيع مع الكيان الصهيوني نضالا يوميا لا يكلّ ولا يملّ من شرحه وفضحه في كل مكان وزمان. مناضل يساري أممي جعل من النضال برنامجاً يومياً، قضيته الأساسية هزيمة الصهيونية مشروعا سياسيا عنصريا. تجده حاضرا في كل الوقفات والمسيرات الاحتجاجية ضد الصهيونية، في المغرب وفي كل مكان يصل إليه صوته. 
أسيدون، وأبرهام السرفاتي، وشيمون ليفي، وجرمان عياش، وإدمون عمران المالح.. كلها أسماء مغربية من أبناء الطائفة اليهودية صنعت الاختلاف بمواقفها وآرائها وتموقعها ضد الظلم في بلدها المغرب، وضد الظلم التاريخي الذي تعرّض له الفلسطينيون على يد أبناء جلدتهم ودينهم وطائفتهم. ومن دون أن ننتقص من قيمة كل هاته الأسماء الكبيرة التي رحلت عن عالمنا وخلفت وراءها تاريخا ناصعا من النضال والمواقف المشرفة، يبقى أسيدون، المناضل الذي لا يشيب، فريدا في كل شيء، لا يهادن ولا يتنازل ولا يتراجع ولا يتعب ولا ييأس.
مناسبة الحديث عن هذا المناضل الأممي هو حديثه المطول مع تلفزيون العربي في برنامج "وفي رواية أخرى"، الذي جاء ليذكّرنا بأنه ما زال في هذا العالم، وبين ظهرانينا، مناضلون من 
الطراز الذي نقرأ عن سيرهم فقط في كتب التاريخ. ربما قد لا يعني هذا الكلام الكثير للمغاربة، خصوصا من كتب لهم أن يتعرّفوا على الرجل عن قرب، حتى وإن كنا لا نقدّر كثيرا قيمة الأشخاص إلّا بعد أن يرحلوا عن عالمنا، ولكن من يطلع على سيرة هذا المناضل الصلد، كما حكى شذراتٍ منها في البرنامج، سيكتشف قامةً كبيرةً تختفي وراء التواضع غير المفتعل للرجل، وهو يحكي باقتضاب مفرط في الاختصار عن تجربة غنية، بل وفريدة من نوعها، لمناضل يساري عارض حكم الملك الحسن الثاني، ودفع ثمن نضاله 12 عشر سنة من السجن وثماني سنوات من الحرمان من جواز سفره، هو الذي كان يعيش مرتاحا مع عائلته في فرنسا، فقرّر العودة إلى المغرب نهاية الستينيات للنضال من أجل التغيير ومن داخل صفوف الجماهير في زمنٍ كانت الآلة الدعائية الصهيونية تغري الشباب في عمره، لتهجيرهم إلى "أرض الميعاد". وطوال سنوات اعتقاله الطويلة، وعلى الرغم من قساوة السجن في الزمن الذي سمي في المغرب "سنوات الجمر والرصاص"، رفض التماس عفو ملكي أو التدرّع بـ"يهوديته" للحصول على تمييز عن رفاقه في السجن والمحنة. وداخل زنزانته الضيقة والباردة في سجن لعلو في الرباط، نمّى أسيدون ثقافته التاريخية ضد الإيديولوجيا الصهيونية. وعندما خرج من السجن بعفو عام، مثل باقي المعتقلين، لم يحزم حقيبته ويغادر البلد الذي ظلمه وعذبه وسجنه، وإنما اختار السير على الطريق نفسه الذي اختاره يوم قرّر العودة إلى المغرب نهاية ستينيات القرن الماضي، النضال من أجل التغيير، ومن داخل صفوف الجماهير، وجعل من محاربة الصهيونية، ومناهضة التطبيع مع إسرائيل، داخل المغرب وفي الخارج، هدفا أسمى في حياته ولمساره النضالي.
هذا المناضل السبعيني، عزّ نظيره في زمن التطبيع والانكسار والانهزام، مفرد بصيغة الجمع، يُعرّف نفسه بأنه مغربي أمازيغي عربي يهودي مناهض للصهيونية ومناصر للقضية الفلسطينية. مناضل مبدئي من طراز نادر، كرّس حياته لمحاربة الصهيونية وآلتها الإعلامية الجبارة في العالم، وصنع من نضاله اليومي الدؤوب خطّا سياسيا واضحا لمناهضة العنصرية الصهيونية، والتحذير من مخاطرها، ليس فقط على أرض فلسطين المحتلة، وإنما في العالم الذي يجوب أصقاعه، مبشّرا بهزيمة هذه الإيديولوجيا المقيتة. لأن الإيديولوجيا الصهيونية في نظره صادرت معاناة اليهود في أوروبا، وما تعرّضوا له من اضطهادٍ حوّلته إلى إيديولوجيا عنصرية، تبتز بها العالم يوميا تحت شعار "الهولوكوست". فيما يرى أسيدون أن كل شعوب العالم تعرّضت عبر التاريخ للاضطهاد، ولم يحوّل أي شعبٍ منها اضطهاده إلى مادّة للابتزاز والتسول. "الهولوكوست" بالنسبة لأسيدون لا يقل مأساة عما تعرّض له الأفارقة من استرقاق واستغلال في 
زمن العبودية، أو ما تعرّضت له أمم آسيوية وعربية في زمن الاستعمار الغربي من تنكيل وتقتيل واضطهاد واستغلال، لكن أيا من هذه الشعوب لم تجعل من مآسيها التاريخية مادّة للابتزاز والتفوق على باقي شعوب الأرض، كما تعمل الصهيونية على أن تجعل من مأساة اليهود في أوروبا حدثا تراجيديا تؤنب به ضمير العالم في كل لحظة. ما يستفز أسيدون أن يرى دولة استعمارية عنصرية مثل إسرائيل تحتل أرض شعبٍ تقتّله وتضطهده يوميا، تريد أن تحتكر الحديث باسم اليهود، وتدعي تمثيلهم في العالم، وهو اليهودي العلماني الأممي الخارج عن كل تصنيف!
عندما سئل أسيدون، في الحوار التلفزيوني معه، كيف يرى مستقبل الصراع مع إسرائيل، لم يفكر كثيرا للرد بكل ثقة بأن الصهيونية ستنهزم في عقر ذاتها بفعل تناقضاتها، فهو واضح في تفكيره وتوجهه وهدفه، يدرك أنه عندما يُهزم المشروع الصهيوني سينهار كل شيء من حوله، وبعد ذلك فلتقرّر الشعوب مصيرها بحرية. ما معنى هذا الكلام؟ أليس هذا هو نفسه تفكير المناضل الأفريقي الكبير الراحل نيلسون مانديلا الذي جعل من هزيمة التمييز العنصري (الأبارتايد) هدفا استراتيجيا في نضاله ضد العنصرية، وعندما سقط هذا النظام تحرّرت شعوب جنوب أفريقيا، واختارت طريقها بنفسها نحو الحرية والديمقراطية بطريقة سلمية. إنها قناعة أسيدون نفسها، واضحة وضوح الشمس، هزيمة الصهيونية هي التي ستنهي مشروعها الذي يهدّد العالم، والباقي مجرد تفاصيل تحسمها إرادة الشعوب، عندما تتحرّر وتقرّر مصيرها بنفسها.
D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).