الأسد وحفتر.. لا يصحّ إلا الصحيح

الأسد وحفتر.. لا يصحّ إلا الصحيح

04 مارس 2020
+ الخط -
كان إشهار حكومتَي بشار الأسد وخليفة حفتر قبل يومين، في دمشق، التحالف المقدس بينهما، من خلال توقيع ممثليهما مذكّرة تفاهم، حدثاً سياسياً من شأنه إعادة الوضوح إلى خريطة الانقسام العربي بين حكام ومواطنين يتشابهون في معسكر وحكام ومواطنين آخرين يتشابهون في معسكر آخر. لقد تأخر إعلان الاتفاق بين الأسد وحفتر، من خلال وزير خارجية الأول وليد المعلم، ورئيس دبلوماسية الثاني عبد الهادي الحويج، من دون سبب مقنع. فالرجلان، الأسد وحفتر، يمتلكان كل العناصر التي تؤهلهما لكي يكونا أعز الأصدقاء، وعضوين أصيلين في معسكر إعادة عقارب الزمن العربي إلى ما قبل مرحلة 2010-2011. وقد عثر العقل المفكر في كل من طبرق ودمشق على عنوان دسم، ليكون بمثابة التوقيت الصائب لإعلان التحالف: العدوان التركي. وفي سبيل مواجهة هذا "العدوان"، وبهدف "فضح سياساته التوسعية والاستعمارية"، مثلما جاء في البيان المشترك، يجدر طبعاً "إعادة افتتاح المقار الدبلوماسية وتنسيق المواقف في المحافل الدولية". إذاً، إننا أمام شيءٍ لا يقل عن التحالف. 
وتحالف المتشابهين في معسكر الثورات العربية المضادة ضرورة لحثّ الطرف الآخر، حكومات ديمقراطية (إن وُجدت) وأحزاب وتيارات تصنف نفسها في خانة "الربيع العربي" الديمقراطي اللاطائفي، على إعلان إطاره الخاص، بلا تردّد في صياغة الأهداف والشعارات والبرامج، حتى ولو لم يتمكّن هذا المشروع من منافسة المعسكر الأول في درجة وقاحته لناحية مجاهرته بتقديس القمع والتسلط والتفرقة والطائفية والديكتاتورية، وحتى لو كان المعسكر المأمول ولادته غير قادر على مجاراة بأس الحكومات في الطرف الآخر وبطشها وقوتها، فنحن أمام نظام عربي رسمي متحد في تحالف واسع تقوده السعودية والإمارات ومصر، وتنضوي في صفوفه حكومات وجيوش ومليشيات ليبية وسورية وعراقية وبحرينية وموريتانية ولبنانية، وتؤمن له جامعة الدول العربية الوعاء العابر للحدود. في المقلب الآخر، تبحث الدول الوافدة حديثاً إلى نادي الانتفاضات العربية، كالجزائر والسودان، ببطء، عن طريقها إلى بناء تحوّلها الديمقراطي الخاص بعد زمن مديد من التصحر السياسي، هذا إن نجحت في ذلك. أي أنها لن تكون مطالبةً إلا بالاهتمام بهمومها الداخلية، قبل رفع سقف طموحات ناسها إلى الأفق العربي الأوسع. ولكن ذلك لا يمكن أن يبرر، بأي شكل، مسايرة أكذوبة حكام وعسكر تفيد بأن طريق الرخاء الاقتصادي والتخلص من العوز والعقوبات الدولية لا تمرّ إلا بالتطبيع، وربما بالتحالف مع تل أبيب. فأن يعلن بنيامين نتنياهو أن منظومة العلاقات التي تكرّست بين إسرائيل والسودان، في أعقاب لقائه برئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان في عنتيبي، تسمح بإعادة طالبي اللجوء السودانيين من إسرائيل إلى بلادهم، فهذا يتعدّى بكثير نطاق التطبيع الذي يدّعي عسكر السودان، وبعض مدنيي السلطة المؤقتة، أنهم مضطرون إلى الانخراط فيه، في سبيل كسب قلب الإدارة الأميركية ورفع الخرطوم عن لائحة العقوبات الدولية، إنما يصل إلى مستوى التحالف الذي كان سرّياً أيام جعفر النميري وأرييل شارون، وصار علنياً في عهد البرهان ونتنياهو.
تقارب المتشابهين أمر حيوي في جميع الأحوال. وتحالف الأسد وحفتر لا يشذّ عن هذا الحكم. مثل هذا التحالف يقلل كثيراً من احتمالات الكذب والتلطي تحت شعاراتٍ لطالما لعب خليفة حفتر عليها ليدّعي أنه الابن الشرعي للثورة على معمر القذافي، بينما هو الامتداد الطبيعي له والخيار المفضّل اليوم للرموز الناجية من نظام العقيد الراحل، ويحارب بقواتٍ ضاربةٍ يشكل القذاذفة عموداً فقرياً فيها. وضوح الرؤية أكثر من ضروري ليميز المرء عدوّه من صديقه: ليست المسألة قصة خير أهل الانتفاضات العربية، انتفاضات الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وشرّ حكام الدم والقتل والاضطهاد والقبيلة وناسهم. ولا هي قصة أبيض وأسود، بل هي صراع المتمسكين باحتمال تحسّن هذه الحياة هنا اليوم وعلى هذه الأرض، ضد من يخبرنا بأننا لا نستحق أفضل من بشار الأسد وخليفة حفتر وأمثالهما.
أرنست خوري
أرنست خوري
أرنست خوري
مدير تحرير صحيفة "العربي الجديد".
أرنست خوري