كورونا في الصومال أسوأ من الجوع

كورونا في الصومال أسوأ من الجوع

30 مارس 2020
+ الخط -
يعيش الصومال لحظة حرجة للغاية، فالأعصاب فيه مشدودة نحو مخاوف من مخاطر انتشار وباء كورونا بعد تسجيل ثلاث إصابات بالفيروس في مقديشو، والقلق ينتاب الحكومة الفيدرالية، خصوصا مسؤولي وزارة الصحة الذين يدركون حجم المخاطر المقبلة في حال خرج الوباء عن السيطرة، وأصبح من الممكن أن تنتقل عدواه، لا سمح الله، إلى المواطنين الذين لا تتوفر لديهم أدنى المقومات والوعي في مواجهة وباء عالمي.
كثيراً ما ابتلي الصومال بالأوبئة والأمراض المعدية، مثل الكوليرا والإسهال الحاد، وكذلك الكوارث الإنسانية، كما أزمة مجاعة عام 2011، والتي فتكت بربع مليون صومالي في أشهر. لكن خطر كورونا سيكون، إذا ما اتسعت رقعته، أسوأ من الجوع، فقد تأثرت حركة الأسواق الصومالية بتوقف حركة الصادرات العالمية، فضلاً عن تعليق الرحلات الجوية، ما يضعف حجم التبادل التجاري بين الصومال ومحيطه الخارجي.
يعتمد السواد الأعظم من الصوماليين في حياتهم على مصاريف الدخل اليومية التي لا تتجاوز 1.5 دولار، وهم أفقر الشعوب في العالم كاليمن وجنوب السودان. وفي حال توقفت الأسواق، وانعدمت التنقلات اليومية، فإن حياة صوماليين كثيرين ستصبح على المحك، من دون أن تتوفر لديهم دعائم مالية. وبينما تنفق حكومات الدول التي أصبحت موطناً للوباء ميزانيات ضخمة لمواجهة فيروس كوفيد 19، وتدعم الاقتصادات المتضرّرة منه، أعلن رئيس الحكومة الصومالية، حسن علي خيري، عن الاستعداد لتجهيز خمسة ملايين دولار، وهو مبلغ ضئيل جداً مقارنة بسرعة انتشار المرض في محيط الصومال، حيث القلق في كينيا وجيبوتي وغيرهما يتزايد مع تسجيل حالات جديدة في تلك الدول التي تعاني من شحّ الكوادر الطبية وقلة الموارد المالية في مواجهة وباء عالمي.
ولا تزال معظم بضائع التجار الصوماليين عالقة في موانئ صينية وخليجية، حيث توقفت حركة الشحن من موانئ الصومال وإليها، فضلاً عن صعوباتٍ يواجهها حالياً قطاع الحوالات في البلاد؛ وبات من الصعب إرسال مبالغ كبيرة إلى الخارج، خصوصا إلى التجار، وذلك بعد توقف رحلات الطيران القادمة والمغادرة. وستنال هذه الإجراءات من الاقتصاد المحلي الذي كان يتعافى من التدهور الذي استمر عقودا، وكان متوقعا أن يقفز النمو الاقتصادي المحلي 3.2% عام 2020.
ولا تتوفر في مستشفيات مقديشو أجهزة ومعدات طبية حديثة لمواجهة كورونا، وأوصى خبراء وأطباء بضرورة تجهيز نحو 250 سريرا بالأجهزة الطبية لاستقبال المرضى المصابين بالفيروس. وقد أقامت الحكومة الفيدرالية مستشفى للحجر الصحي في معسكر في مقديشو، 
ولكن تدابيرها الاحترازية لا تزال غير كافية للحد من تداعيات مرض قاتل، فليس بيدها أجهزة فحص وأخذ العينات للمشتبه بإصابتهم، وهو ما يعكس حالة ضعف الحكومة، بما فيها وزارة الصحة. وفي حال تفشى المرض، لا قدر الله، في أوساط المواطنين، فإن كارثة جديدة ستحل بالبلاد. وقد ذكرت تقارير دولية أن الصومال من بين أسوأ الدول الأقل استعداداً في مكافحة "كوفيد 19". ولكن بصيص الأمل الذي يتعلق به الصوماليون أن الحالات المسجّلة لدى وزارة الصحة حالياً تخضع للحجر الصحي، وليسوا أشخاصا احتكوا مع مواطنين آخرين في الداخل، أي أنهم كانوا في رحلات دولية، وتم إخضاعهم للحجر، قبل خروجهم من المطار، وهذا ينعش آمالا في التحكّم في مساحة انتشار المرض قبل فوات الأوان، لكن المخاوف لا تزال تبعث على القلق، وتؤرق الصوماليين، بعد تزايد حالات وفيات صوماليين في الخارج جرّاء إصابتهم بهذا المرض، ففي بريطانيا سُجلت 15 وفاة لصوماليين، وفي السويد وفاة 12 لأفارقة من أصول صومالية، نتيجة عدم تطبيقهم الإجراءات الوقائية اللازمة واختلاطهم بالمصابين من دون خوف، وهذا سيناريو مفترض في حال انتشر الوباء في الصومال.
وكان الصومال يحاول الخروج من أزمة نقص الغذاء، بسبب أسراب الجراد التي غزت البلاد شمالاً وجنوباً منذ يونيو/ حزيران 2019، حيث يعاني نحو أربعة ملايين صومالي أزمة نقص الغذاء. ومع غياب الخطط والإمكانات المحلية، مادياً وبشرياً، لدى الحكومة الفيدرالية في إعادة تأهيل النازحين الصوماليين، فإن استفحال كورونا سيكون كارثة صحية، فالدول التي كانت تقف إلى جانب الصومال في محنه وأزماته تعاني اليوم من عبء ميزانيات ضخمة خصصتها لمواجهة الفيروس.
يمرّ الصومال حالياً بمنعطف إنساني وصحي خطير، والاستجابة الدولية والعربية مفقودة، إن لم تكن معدومة، فلدى كل الدول كثير يشغلها، وهي في وضع صحي داخلي مربك. وحدها الصين قدّمت، حتى الآن، لوزارة الصحة الصومالية معدّات طبية، تبقى غير كافية في مواجهة الوباء المحصور حالياً في زنزانة ضيقة، كوحش يريد الانطلاق لنهش فريسة جاهزة بانتظاره.
3F6C2AC1-09AD-4357-AA15-D946B74B0C95
3F6C2AC1-09AD-4357-AA15-D946B74B0C95
الشافعي أبتدون

كاتب وإعلامي وباحث صومالي

الشافعي أبتدون