العالم حبيس غرف مغلقة

العالم حبيس غرف مغلقة

29 مارس 2020
+ الخط -
عقدت قمة العشرين الطارئة هذا العام عبر دارات تلفزيونية مغلقة، وشاهد رؤساء الدول العشرين بعضهم عبر شاشات ضخمة، في مشهد سياسي يعبر، بمنتهى الوضوح، عن حضور فيروس كورونا العالمي. فقدَ المؤتمر حميمية اللقاء بين ممثلي الدول العشرين، وافتقد العالم الصورة الجماعية التقليدية التي تُلتقط عقب كل لقاء. وبغض النظر عن نتائج المؤتمر، فطريقة انعقاده هذه تعد نتيجة مهمة، ومقدمة لما قد يحدث في العالم.
جلس الزعماء كلٌّ في مكتبه، على الرغم من أن المؤتمر، نظرياً، برئاسة السعودية، كل زعيم محاط بمساعديه، وعيناه شاخصتان على 19 شاشة أمامه، تنقل له صور بقية الزعماء. استُعيض عن القاعة الكبرى في الفضاء الرقمي، واختفت اللقاءات الجانبية ولوبيات المجموعات المتماثلة، وتم الاكتفاء بساعتين وربع هي مدة انعقاد المؤتمر. صدر البيان بعدها، وعاد كل زعيم إلى مشاغله الداخلية، وخطط مواجهة فيروس كورونا الخاصة به. نُحّيت في المؤتمر المشادة الصينية الأميركية، وتوقف دونالد ترامب عن نعت فيروس كورونا بالفيروس الصيني، كما توقفت الصين عن اتهام أميركا بنشر الفيروس، ليخرج البيان هادئاً، يلتزم بحماية العالم ومساعدة من يحتاج المساعدة في مواجهة الجائحة الجديدة. وعلى الرغم من أن البيان خرج جماعياً، وتم الاتفاق على بنود بشأن التكاتف الجماعي، إلا أن شكل المؤتمر وطريقه أدائه أوحى بذاتية المعالجة، وقد أغلقت دول منافذها على دول أخرى، ونُقلت أنباء عن مصادرة شحنات قفازات وأقنعة وأدوية.
يعبر مؤتمر دول الكرة الأرضية العشرين، بوضوح، عن الأسلوب المقترح لما سيأتي من طرق التجمعات، والتي ستتم عبر دارة تلفزيونية وغرف مغلقة وأدوات تعقيم شخصية خاصة. هذه هي عدة التسلح في وجه المرض، إذ لم تعد نظريات المؤامرة ذات أهمية كبيرة، ولم يعد مهماً طرح سؤال من بدأ الحرب، وعبر أية مختبرات خرج الفيروس الجديد، فأرقام تكاثر الفيروس تتزايد بشكل مهول، والفترة الزمنية لتضاعف أعداد المصابين تقصر يوما بعد يوم. ويستهدف الفيروس، كما يبدو، المناطق الصناعية والتجارية المركزية في العالم؛ فبعد أن ضرب الصين انتقل إلى أوروبا ثم إلى أميركا التي تسجل حالياً أعلى المعدّلات، ما يعني أن انكفاءً ذاتياً قد يحصل، بدءاً من إغلاق الحدود وإغلاق المدن والأسواق والتجمعات. وقد صدرت مبكراً أوامر إيقاف مناسبات التجمع البشري، كالحفلات والمحاضرات والمسارح ومباريات الكرة. وكانت الحلقة الأخيرة بتأجيل موعد أولمبياد طوكيو إلى العام المقبل.
يضرب العالم حول نفسه طوقاً بعد طوق، لينحبس الإنسان في غرفته وحيداً محملقا بجهاز الموبايل، أو شاشات التلفاز والكومبيوتر. الوجود في الغرف المغلقة وقتا طويلا قد يتيح للمرء أيضاً فرصةً للتعرّف على نفسه، أو قد يفتح حوارات مختلفة مع شركائه في العزلة، ما يتيح له إعادة التعرف على محيطه من زاوية أخرى قد تكون أكثر عمقاً. ولكن في الوقت نفسه على الأنظمة الصحية والأمنية أن تعمل بكفاءة مرتفعة جداً، وقد بدأت تظهر آثار جانبية خطيرة، كاختفاء معدات الوقاية والتنظيف، كالأقنعة والمحارم الورقية وأدوات التعقيم، أو نقصها. ليست الحالة ملحّة بعد، ولكن استمرارها أو تزايدها يعرّض النظم الاجتماعية للوهن، وقد تتقوض إذا ازدادت فترة الحجر، وربما تتطلب إمكانات حكومية كبيرة، خصوصاً لمنع التناقص في بعض المواد الغذائية الضرورية.. تزايد أرقام الحالات التي لم تشفَ بعد، وغياب معرفة يقينية لخط سير تطور انتشار الفيروس، يرفعان حالة القلق المصاحب للعزلة، ما قد يفضي إلى نتائج خطيرة تختلف عن معرفة الذات، أو تقوية العلاقة مع المحيط القريب.
يتابع سكان الأرض هذه المؤشرات المرتفعة لانتشار الفيروس، والأحداث المصاحبة لذلك من غرفهم المعزولة، وهم ينتظرون الفرج، ومع استمرار الفيروس بالشكل الذي نراه من دون تحديد أفق نظري لانحساره، سيتحول الجميع إلى رهائن، وسيجري شبه تعطيل لكل فعالية جماعية، وسيحتاج العالم حلولاً فعالة تتجاوز توفير تقنية الدارات التلفزيونية لعقد المؤتمرات.