عن خطأين للحكومة الأردنية

عن خطأين للحكومة الأردنية

26 مارس 2020
+ الخط -
من الطرائف المتداولة في الأردن "سعر البترول وصل 28 دولار وخجلان أفاتح الحكومة"، فالمواطن يغض الطرف عن ارتفاع سعر المحروقات، على الرغم من انهيار سعرها عالميا في سبيل دعم الحكومة لمواجهة جائحة كورونا. تجسد الطرفة تجاوبا غير مسبوق من المواطن مع القرارات القاسية للدولة، وتفهما لها. وتجاوز المواطن الأردني القبول والتفهم إلى المبادرة والتطوع والتبرع، إلى درجة أن مواطنا تبرّع بقصره ذي الثماني عشرة غرفة للحجر الصحّي. 
حظي تعامل الأردن مع أزمة كورونا بإشادة على مستوى عربي، فالدولة لم تتردّد في فرض الحجر على العائدين من السفر، وتأمين أماكن لائقة لحجرهم تنوء بها دول غنية، وأعلنت حال الطوارئ وفرضت حظر التجول، وأنزلت الجيش على الشوارع، وفي ذلك كله لم تجد غير التصفيق والترحيب، حتى من معارضيها الذين أعلنوا أنهم جند محضرون لها في مواجهة الجائحة. ذلك كله وغيره لا يغطي أخطاء وقعت فيها الدولة والمجتمع، ومن المفيد لهما التعامل بواقعية، بعيدا عن الحماسة الزائدة. هنا إيجاز عن خطأين، يمكن تجاوزهما، وهو ما يفيد في الطريق الصعبة الطويلة في مواجهة الجائحة:
تفريط الحكومة بالرأسمال الاجتماعي الهائل، في مجتمع شاب متكافل متواصل، فيه آلاف المؤسسات التطوعية. تصرفت الحكومة بمنطق عدم الثقة بالمجتمع وقدراته، معتمدة على الجيش والأجهزة الأمنية والموظفين الرسميين وحدهم. وتجاهلت، بشكل غير مفهوم، مبادرات نقابات أبرزها نقابة المعلمين، وهي تجمع بين الموظف والمتطوع، ومؤسسات مجتمع مدني تعنى بالتعليم والطفولة والعمل الخيري.. أذكر في اليوم الأول للأزمة أن أحد نشطاء الحراك كتب على حسابه في "تويتر" أنه يضع نفسه وسيارته متطوعا في خدمة الدولة، فأعدت تغريدته على حساب رئيس الوزراء، داعيا إلى تأطير تلك الجهود والمبادرات، تلك المبادرة الفردية ومثلها الآلاف من أفراد ومؤسسات لم تجد غير التجاهل. إلى أن وجدت الحكومة نفسها عاجزة عن إيصال الخبز والماء ومتطلبات الحياة إلى الناس في بيوتهم.
قال وزير الصحة في بريطانيا، وهي دولة عظمى تفوق إمكاناتها ما لدى الأردن مرات، إن بلاده بحاجة إلى 250 ألف متطوع، واستدعت الوزارة 65 ألف طبيب وممرّض متقاعدين! ماذا لو شكلت الحكومة هيئة عليا تحت إشرافها، وحتى من الممكن أن تكون برئاسة أحد أفراد العائلة المالكة، للمتطوّعين. وبالضرورة، تظل مثل هذه الهيئة في هذه الظروف بعيدة عن التسييس، أو البحث عن مكاسب انتخابية. المهم تجميع المتطوعين وتأطيرهم باتجاه مفيد.
الخطأ الثاني الذي وقعت فيه الحكومة إهمال التطور التقني الهائل في مجال التطبيقات المتعلقة بالتواصل والتوصيل. الأردن من الدول العربية المتقدّمة، وربما على مستوى عالمي، في المجال التقني، ولدينا وزارة للاقتصاد الرقمي. ثمّة مئات التطبيقات الموجودة، مثل أوبر وكريم وطلبات وغيرها، يمكن إضافة وتخصيص خدمات فيها لمواكبة الوضع الاستثنائي، والأفضل إبداع تطبيق خاص بالأردن، يستفيد منها ويشبك بينها. فوق ذلك، القطاع الخاص معني بالربح وليس بالأجر فقط، من سائق الأجرة الذي يريد مالا لإطعام أطفاله إلى المخبز الذي يريد تحقيق أرباح تؤمن الإيجارات ومصاريف العمال والإنتاج.
إذا تجاوزنا الخطأين، وحوّلناهما إلى فرصتين، سنحقق فائدة كبيرة، وهما فرصتان مفتوحتان على بعضهما. لنتخيل تشبيك عشرات آلاف من المتطوعين من مختلف التخصصات والمناطق، مع تطبيقات رقمية ذكية، كيف ستكون فاعليتهم؟ قدّمت الجائحة فرصة ذهبية تاريخية تعيد الثقة بين الدولة والمجتمع. ومن الواضح، في الأردن، أن ثقة المجتمع في الدولة عالية، لكن ثقتها به لا تزال ضعيفة. الناشطون والمبادرون، وبعضهم مسيَس، لا يريدون، في هذه المرحلة، منافسة الدولة، وتحقيق حضور على حسابها، يريدون مساعدتها، ومساعدة أنفسهم. وعلى الدولة أن تثق بهم، ولا تتوجس منهم.

دلالات

83B64D8F-BC3E-45BA-96A2-36C353D769E9
83B64D8F-BC3E-45BA-96A2-36C353D769E9
ياسر أبو هلالة

كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.

ياسر أبو هلالة