أهداف سويف ورقصة اليسار الحزينة

أهداف سويف ورقصة اليسار الحزينة

26 مارس 2020
+ الخط -
حينما رقص اليسار في مصر على المكيدة (واحدة ونص) في 30/ 6 صيف العام 2013 (تذكّروا أحمد فؤاد نجم باللاسة البيضاء والعصا وهو يرقص فرحا في قناة أبو العينين رجل الأعمال بعد 30/ 6)، هل كان اليسار ساعتها في حسابه أنه سيأتي عليه أي يوم أسود أو أزرق في أي كابوس أكثر بشاعة، في يوم سيأتي فيما بعد يتم فيه القبض على الكاتبة أهداف سويف، ابنة مصطفى سويف وابنة المترجمة والناقدة أستاذة الأدب الإنكليزي، فاطمة موسى، وذلك لسبب بسيط جدا، أنها وقفت أمام مجلس وزراء بلدها وفي يدها ورقة وبالونة، وفي الورقة تطالب فيها بإطلاق سراح مساجين مصر، خوفا على الجميع من مرض كورونا؟ 
هل كان اليسار، بكل تاريخه، ابتداء من لطيفة الزيات، وهي طالبة جامعية تعبر كوبري الجامعة على رأس مظاهرة حاشدة، حتى انتفاضة الخبز وما بعدها، هل كان يتخيّل، في كل أدبياته، أنه سيأتي ضابط من الجيش يزيح حكما مدنيا منتخبا من الشعب الذي كم تغنّوا له في أحزابهم وأغانيهم ورواياتهم وقصصهم القصيرة والطويلة ولوحاتهم، فيقفون بجوار الضابط مكيدة، ويوزّعون على جيرانهم الرز أبو لبن، ويخرج شاعرهم أحمد فؤاد نجم يرقص باللاسة البيضاء والعصا في قنوات رجال الأعمال؟ هل كان اليسار يتخيل أنه سيتم القبض على أهداف سويف، وهي ليست مراهقة تتقدّم الصفوف بالعلم مضرجا بالدم والشعارات، بل سيدة في السبعين تحمل بالونة وورقة تطالب بإطلاق سراح السجناء خوفا عليهم من فتك الأمراض في السجون؟
صحيحٌ أن اليسار، في نشوة الفرح والرقص والمكيدة بعد 30/ 6، استوزر أشخاصا منهم في حكومات قليلة العمر، كما أن عددهم لم يتجاوز أصابع اليد الواحدة إلا بواحد أو اثنين، ثم تم الاستغناء عنهم بعد قليل (جابر عصفور وحلمي النمنم وكمال أبو عيطة.. إلخ)، ثم عادوا إلى بيوتهم لمتابعة الأحداث على الشاشات.
صحيحٌ أن أموالهم لم تصادر كالإخوان المسلمين مثلا، وصحيح أن أقطابهم في سعادة يدخلون ويخرجون من مستشفيات القوات المسلحة، حتى لإزالة البلغم أو تركيب أسنان من دون تكلفة أو مصاريف، وصحيح أنهم لم يصاحبوا "الإخوان" في سجن العقرب، ولا تقاسموا معهم النكد كما حدث في سنة 1954 وأخواتها، ولا فُصلوا من وظائفهم أو حرقت أحزابهم أو عياداتهم ومستشفياتهم كما حدث لمحمد البلتاجي، وما زالوا يخرجون من البلاد ويدخلون بلا حيطة أو حذر، وصحيح أن الجو قد خلا لهم وراق، ومنهم رؤساء المهرجانات واللجان من الموسيقى حتى سباق الإبل، وكل فنادق دبي وأبوظبي ترحب بهم من دون أي لوم أو عتاب أو تهم ماضية، وكل جوائز جدة والرياض، وحتى الدوحة، ترحب برواياتهم وفوزهم، وكأنه اعتذار عن سوء تفاهم، وصحيح أن منهم رؤساء التحرير، ولهم جوائز النيل والتقديرية والتفوق والتشجيعية والتفرغ، والمطابع تطبع كتبهم بانتظام مع الأعمال الكاملة للراسخين منهم، حتى إن معهد العالم العربي ما زال لا يرحب إلا بهم، وكذلك بدلات السفر من وزارة الخارجية... صحيح ذلك كله، إلا أن أهداف سويف، حينما سافرت إلى الإمارات، منذ ثلاثة أسابيع، صرخت بالحقيقة في وجوههم بشكلٍ لم يتعودوه أبدا، فكان لها أن تُعاقَب، لا في دولة الإمارات، ولكن في عقر دارها المحروسة مصر، وعلى بعد أمتار من نيلها أيضا، كي تتعلم هي والجميع الأدب في حضرة الإخوة وتعرف قيمة البلدان، فهل فهم اليسار أن الدرس قد انتهى، وعليهم أن يلمّوا كرّاساتهم، ويذهبوا إلى الصمت إلى الأبد، أو يذهبوا إلى أحزانهم الخاصة، وتلك عاقبة المكيدة.
هل أخطأ اليسار الحسبة، أم أن اليسار قد يدخل في إجازة طويلة في آخر هذا الشتاء؟