متى يتصرّف السيسي بشكل استثنائي؟

متى يتصرّف السيسي بشكل استثنائي؟

24 مارس 2020
+ الخط -
يواجه العالم حالة استثناء مرعبة، الكوكب كله أمام فوهة كورونا، يتصرّف الجميع وفق هذه الحالة، يظهر الرؤساء ليتحدثوا بجدّية عن احتمالات الإصابة والموت. لا مكان لطمأنة كاذبة، تتخذ الأنظمة إجراءات صارمة، إغلاق المطارات، حظر التجول، العزل، إجراءات الوقاية، الحجر الصحي، والتعامل مع التجمعات البشرية بوصفها عدوا، حالة حرب حقيقية.. فماذا عن مصر؟ هل تتعامل الدولة المصرية مع الأزمة بشكل استثنائي، غير معتاد، غير متوقع، لا ينتمي إلى سوابق رد الفعل؟ الإجابات الرسمية هي نعم، وطبعا، وبكل تأكيد، رصدنا مائة مليار جنيه لمواجهة الأزمة، وجرى توجيهها في كذا وكذا. واقع الحال أن هذا المبلغ جرى توجيهه من دون رقابة، أو مراجعة، كما هو معتاد، أي أن رد الفعل "الاستثنائي" الوحيد هو "تسليك" مبلغ محترم، تحت بند كورونا، والباقي يعلمه الله والسادة المسؤولون، فهل يعد ذلك تصرّفًا استثنائيًا، أم روتينًا يوميًا؟
لماذا كنا في مصر آخر من يعترف بالمرض؟ لماذا كنا آخر من يغلق المطارات؟ لماذا كنا آخر من يغلق دور العبادة؟ لماذا كنا آخر من يعلن عن الأرقام، وإلى الآن لا نملك دليلًا واحدًا على صدقيتها؟ لماذا لم نتخذ إجراءات صارمة بشأن التجمّعات البشرية في المواصلات والأسواق؟ لماذا لم نتعلم من السعودية التي أغلقت الحرمين، من دون تردد، فيما يتوسل المصريون على مواقع التواصل لشيخ الأزهر وبابا الكنيسة، ويصرّح مسؤول رسمي، هو وزير الأوقاف، بأنه لن يتوقف عن خطبة الجمعة؟ لماذا لم نتعلم من تونس التي فرضت حظرًا للتجول، لقطع الطريق على بعض المواطنين غير المقدّرين لخطورة الموقف، وهؤلاء موجودون في كل الدول، ولن تردعهم سوى إجراءات حكومية صارمة؟ لماذا لم نتخذ قرارا استثنائيا بالإفراج الفوري عن المساجين، فالوقت ليس وقت خصومة، بل إنقاذ؟ لماذا لم نستفد من الإجراءات الاستثنائية لأي دولةٍ من تلك المحيطة بنا، وظللنا ننكر ونتلكع ونتباطأ ونسوّف ونسخر، في استهتار استثنائي، لعله الإجراء الاستثنائي الوحيد الذي تبنته الدولة المصرية منذ بداية الأزمة؟
يظهر عبد الفتاح السيسي، الغائب تماما منذ بداية الأزمة، بعد أن تنادي عليه ملايين الحسابات الإلكترونية، ولا ينسى تحية هذه الحسابات، ووصف أصحابها بأن "دمهم خفيف". يظهر، لا ليجيب عن هذه الأسئلة، وغيرها، أو يطرح خطابًا مسؤولا، بل ليفرش "عدّة الشغل" أمام الكاميرات، يشكر الجيش، يشكر الشرطة، يشكر الإعلام، المرأة المصرية، "كمان مرّة" المرأة المصرية. يأتي بأم شهيد من الجيش، وأم شهيد من الشرطة، يترك لهما المجال، تتحدّثان، تثيران العواطف. كان الله في عونهما، لا أحد يزايد على مشاعر أم فقدت ابنها، إلا أن تحريك هذه المشاعر الصادقة في سياقات ابتزاز المصريين المتسائلين عن دور الدولة في مواجهة الوباء لا يعني سوى أنه لا جديد، ليس لدينا ما نقدّمه، لدينا شهداء، فإذا كان الحديث عن الشهداء فلا تحدثني عن كورونا.
يظهر السيسي ليحدّثنا عن أعدائه وخصومه المشكّكين في الجهود الجبارة التي تبذلها الدولة، أعدائه وخصومه وأهل الشر والمتربصين والمشككين. المعجم نفسه، الخطاب نفسه، الطريقة نفسها، حتى ونحن نواجه كارثة. هذه المرة يجود السيسي، ويخبرنا بأن التشكيك في جهود الدولة بدأ منذ ثمانين عاما، أي منذ الاحتلال البريطاني، والملك فاروق الأول، وعلي باشا ماهر، ومصطفى باشا النحاس، وعمر الشريف في فيلم "في بيتنا رجل". يظهر السيسي ليحدثنا عن إنجازاته، وخطة الإصلاح الاقتصادي التي لولاها ما واجهنا كورونا، وما صمدنا، (معلومة: نحن صمدنا). ما علاقة الاحتلال البريطاني بالإنجازات، الملك فاروق بالمشكّكين، النحاس باشا بمواجهة كورونا. لا يهم، المهم أن الرئيس ظهر، موجود، بخير وبصحة وبعافية، ويشعر بالفخر والسعادة، كما قال، يواجه كارثة قد تودي بحياة الآلاف، بالفخر والسعادة، فهل من جديد؟
لا جديد، ولن يكون هناك جديد. الرهان على المناعة المصرية وحدها، مناعة المواطنين، ومناعة الأطباء، وإذا كان السؤال: متى يتصرّف السيسي بشكل استثنائي؟ فالإجابة: عندما يكون "هو" في أزمة، لا المصريون.