وباء بلا حدود

وباء بلا حدود

20 مارس 2020
+ الخط -
كورونا وباء بلا حدود، يتجاوز، في آثاره وتداعياته، الأوبئة السابقة، لأنه جاء في زمنٍ أيقنت فيه البشرية أن العلم بات قادرا على استشراف المخاطر الصحية بنسبة كبيرة جدا، وذلك على الرغم من أن الاهتمام بالعلوم والبحث العلمي تراجع في عديد من الدول الكبرى، صاحبة الاختراعات التي هزمت أوبئةً وأمراضا كثيرة في القرن الماضي، وعلى وجه التحديد في أوروبا الغربية. وتواجه البشرية اليوم هذا الوباء الخطير الذي لا يزال في بداياته، على الرغم من إعلان الصين أنها بدأت السيطرة على الفيروس، والنتيجة المباشرة هي أن هذا الوباء المفاجئ ولّد حالة من الهلع، أظهرت مدى هشاشة النظام الدولي القائم، وخصوصا الصحي.
وعلى الرغم من أن دول أوروبا الكبرى والمتقدّمة، مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، تشهد إصابات ووفيات كثيرة، فإن نظامها الصحي يواجه المرض كي يحدّ من أضراره، بانتظار أن تتم السيطرة عليه، عن طريق وسائل العزل التي تشمل كل جوانب الحياة. أما غالبية دول العالم العربي فهي في وضع حرج، وهذا ما يفسّر الهلع والخوف في أكثر من بلد، وسبب ذلك النقص الفادح في التجهيزات الصحية في حال انتشر الوباء. وتبين أن بناء بنى تحتية صحية في كل بلد هو الحل الوحيد، بدلا من العلاج في الخارج الذي يقتصر على فئاتٍ محدّدة ميسورة. وتكشف الأرقام عن عدد المشافي في الدول العربية والأسرّة المخصصة لاستقبال المرضى حجم الهوّة التي يعاني منها العالم العربي، كما تسلط الضوء على الخلل في إدارة قضية السلامة العامة، وما تمثله في حسابات غالبية العرب، ولذلك كان إجراء منع التجول هو الخيار الصحيح، من أجل الحد من الوباء، بانتظار أن تتوصل الدولة المتقدّمة إلى لقاح. وهذا يعني أن عدم توفر العدد الكافي من الأسرّة في المشافي، وضعف الإمكانات المادية لشريحةٍ واسعة، سوف تكون نتيجته حصول وفياتٍ كبيرة في صفوف الذين لا يستطيعون دفع تكاليف العلاج، وهذا أمر تتحمّل مسؤوليته الدول التي لم تستثمر في الصحة، وهدرت إمكاناته في الإنفاق على أجهزة الأمن والجيوش التي تحرُس قصور الحكام.
وأعادنا ظهور هذا الوباء إلى بديهية ارتباط الديمقراطية بتحسين حياة الناس في الدرجة الأولى، وهذا يمكن أن نلاحظه في فرنسا خلال العقد الأخير، من خلال نضال النقابات ضد خصخصة القطاع الصحي، بوصف الصحة حقّا أساسيا من الحقوق الإنسانية.
ويلخص قرار ألمانيا إغلاق حدودها مع فرنسا والنمسا وسويسرا يوم الاثنين الماضي بعمق حال الفشل الذي وصل إليه الاتحاد الأوروبي، والذي كان أهم إنجاز حققه هو فتح الحدود بين بلدانه. وبدلا من أن تكون هناك غرفة عمليات مشتركة لمواجهة الوباء، تصرف كل بلد من تلقاء ذاته، ووفق إمكاناته، من أجل الدفاع عن مواطنيه، وهذا يكشف جانبا من الأضرار الكبيرة التي تعرّضت لها كل من إيطاليا وإسبانيا. تأتي هذه الأزمة كي تقوّي من حجج التيارات الشعبوية المعادية للوحدة الأوروبية. ومن دون شك، وجد أنصار البريكست في حال أوروبا الصعب ما يؤيد موقفهم الانعزالي. ولكن الوجه الآخر من الصورة هو أن أوروبا لم تكن لتصل إلى هذا التباعد لولا سياسات اليمين الجديد الذي تأتي الصحة في آخر اهتماماته، ويمثل هؤلاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وفي حين، كشف كورونا عن الهوة بين الشرق والغرب وهشاشة الأنظمة الصحية في البلدان التي شهدت أكبر قدر من الوفيات، مثل إيران وإيطاليا، فإنه أعاد تسليط الضوء على الأزمات الكونية التي بدت من دون حل في العقدين الأخيرين، وفي مقدمتها التلوث البيئي الذي تتحمل مسؤوليته الدول صاحبة الصناعات الكبرى، ومنها الصين المعروفة، إلى جانب الولايات المتحدة، بأنها أحد أكثر البلدان تلويثا للأرض.
1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد