يوميِّات الحجر المنزلي

يوميِّات الحجر المنزلي

18 مارس 2020
+ الخط -
بدأ كثيرون من روَّاد "فيسبوك" يدوِّنون يوميَّاتهم، خلال الحجر المنزلي؛ بسبب تفشّي وباء فيروس كورونا. والغريب أنهم كانوا قليلاً ما يكتبون كلمة، وربما في المناسبات، ولكنهم اليوم خرجوا بمنشوراتٍ يومية، عن أحوالهم الشخصية، وأولادهم في البيوت. ولا تدري السبب في ذلك الخروج غير المعتاد، هل لأنهم يريدون أن يقولوا لنا، مثلاً، إنهم اكتشفوا كم كانوا في حاجة لبيوتهم، والبقاء فيها، ولدفء الأسرة، حتى لو كان شبح الموت يخيِّم على العالم أجمع؟
واحدة اهتمّت بأن تصف، بالتفصيل، طريقة تعقيمها بيتها. والأمر يبدو محزناً؛ لأنها بعد أن تنهي عملية التعقيم اليومية بوسائل تعقيم تقليدية (لأن ميزانية بيتها لا تكفي لشراء معقِّماتٍ ارتفع سعرها)، تجلس أمام التلفاز في قلّة حيلةٍ تتناقل النُّكات والأخبار مع أصدقائها وصديقاتها، في العالم الافتراضي بالطبع.
لو قدِّر لنا النجاة جميعاً من هذا الكابوس، وتمّ جمع الكتابات التي كتبها أصحابها في جميع العالم، خلال أيام الحجر المنزلي الإجباري، تُرى ماذا سيكون الرابط بينها؟ أتوقعه سوف يكون الخوف من المجهول، وانتظاره. أما الرابط الخفيّ بينها فهو أنّ معظم من كتبوا قد اكتشفوا أنهم كانوا بعيدين عن أسرهم وبيوتهم إلى درجةٍ لا تصدَّق، كما أن كثيرين وجدوا أن لديهم موهبة الكتابة، وأنهم أقوياء؛ لأنهم استطاعوا التعبير عن أنفسهم، في أصعب الظروف.
حتماً، ومؤكَّد أن هذه الأيام سوف تمرّ، مثل كل الأيام العصيبة التي مرّت، وسوف تكون الساعات الثقيلة التي تمرّ بنا، في الحجر المنزلي الإجباري، مجرّد سطر صغير في كتب التاريخ، عن وباء أصاب العالم في عام 2020، مثل أخبار الأوبئة السابقة التي حلّت بالعالم، ومات كثيرون بسببها، وبقي العالم، بشمسه وقمره وسمائه وبحره وأرضه.
أدَّعي التفاؤل، وأرى أن غُمَّة الفيروس الذي أُعلن أنه أصبح وباء عالميّاً سوف تنزاح قريباً، وفي أصعب الظروف قد يستمر عاماً. بعد ذلك، ماذا نحن صانعون، هل سنعود إلى سابق عهدنا، من حياة الركض واللهاث، ومن اعتيادنا على وجبات الطعام الجاهزة، والازدحام في المناسبات الضرورية، وغير الضرورية، وعدم التفكير في الخروج إلى الطبيعة، والإصرار على الظفر ببيت، وسط مركز المدينة، وعدم الهروب إلى الفضاء الفسيح، حيث السهول الخضراء، والطبيعة البكر؟
وبتفاؤلٍ كثير، أرى أن تجربة الحجر المنزلي الإجباري فرصة لنا، آباء وأمَّهات، للكتابة عن تجربة التعليم عن بعد التي بدأتها دول كثيرة (290 مليون تلميذ أصبحوا بلا مدارس، بحسب تقرير الأمم المتحدة). وربما كانت هذه التجربة فرصة للتخلُّص من استغلال المدارس الخاصة، وقفزة جديدة نحو إحلال التعليم الرَّقَمي في البلاد العربية محل نظام التعليم التقليدي المكلف، وقليل الجدوى.
يحضر إلى ذاكرتي، هذه الأيام، وبقوّة، درسٌ من دروس القراءة، في المرحلة الابتدائية، عنوانه" الثوب الأزرق". يحكي عن سوسن، وهي طفلة صغيرة في المرحلة الابتدائية، أي أنها كانت في سنّ التلاميذ والتلميذات الذين استمتعوا بقصَّتها، وتأثَّروا بها. وغريب أنني لا أزال أتذكَّر اسم التلميذة التي كانت تصل إلى المدرسة، بثياب قذرة، وشعر غير مرتَّب؛ فتهديها المعلمة ثوباً أزرق جديداً، وحين تعود به إلى البيت، وتلبسه أمام والديها، يقرّر الوالدان تنظيف البيت؛ لكي لا يتّسخ ثوب سوسن، وقبل ذلك يقرِّران أنْ تستحم، وتهذِّب شعرها، وتقصّ أظافرها؛ لكي لا يتسخ ثوب سوسن، ثم يقرِّر الأب أن ينظّف درج العمارة التي يقطنون بها؛ لكي لا يتسخ ثوب سوسن، وحين يرى السكَّان ثوب سوسن الأزرق الجديد، يقرِّرون تنظيف الشارع بأكمله، ورصّ الأصص الخضراء، ورشّ الماء؛ لإزالة الغبار؛ لكي لا يتسخ ثوب سوسن. ولذلك، كان ثوب سوسن بداية التغيير، بحيث أصبحت النظافة في حياة سوسن وعائلتها وأهل حيِّها أسلوب حياة، فهل يقوم فيروس كورونا المستجد بدور "ثوب سوسن" في حياة هذا الكوكب؟
avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.