السعودية بين كورونا والحرب النفطية

السعودية بين كورونا والحرب النفطية

15 مارس 2020
+ الخط -
في أجواء الذعر والقلق والتوجس العالمي من خطر زيادة تفشّي وباء كورونا وانتشاره، صعدت كل من روسيا والسعودية من حدّة الصدام النفطي بينهما، ما يطرح تساؤلات عديدة عن أسباب التصعيد الحقيقية وغاياته ونهاياته، سيما في ظل التباين الواضح بين إمكانات وقدرات كل منهما لصالح الروس، وبحكم فجاجة التحكّم الأميركي بمنحى السياسات السعودية وتوجهاتها عموما، ما يجعل الولايات المتحدة طرفا من أطراف النزاع أو الصدام الحاصل، من دون أن تعلن ذلك أو حتى تدعمه بشكل واضح، فمن الصعب التعامل مع التصعيد المستجد على اعتباره مجرد فعل ورد فعل مضاد، لعدة أسباب، منها عدم ملاءمة الظروف الراهنة محليا ودوليا لأي من الفعلين أصلا، فقد رفضت روسيا الطلب السعودي استمرار اتفاق الدول الأعضاء في منظمة أوبك على خفض الإنتاج النفطي، بغية ضبط أسعار المشتقات النفطية في ظل تراجع الطلب العالمي على النفط بفعل وباء كورونا، فكان رد الفعل السعودي بزيادة الإنتاج من ناحية، والإعلان عن تخفيضات في الأسعار السعودية للنفط من ناحية أخرى. وترافقت الإجراءات النفطية السعودية مع أخرى صحية، تهدف إلى الحد من انتشار فيروس كورونا داخل المملكة، وأهمها وقف العمرة، ما يحمّل المملكة خسائر اقتصادية مهمة في هذه المرحلة. ما يعني خسائر اقتصادية سياحية أو دينية سوف تستمر حتى انتهاء فترة القلق السعودية من انتشار فيروس كورونا، وأخرى نفطية تتزامن معها، وربما تمتد فترة أطول، سيما بعد إعلان كل من روسيا والإمارات عن زيادة إنتاجهما النفطي هما أيضا، وإن كانت زيادتهما أقل من التي أعلنت عنها السعودية.
كما أن مسارعة المملكة في الإعلان عن خطواتها التصعيدية، ورفضها اجتماعا دعت له وزارة الطاقة الروسية، يعطي مؤشّرا على وجود نية مسبقة بهذه الخطوات التصعيدية، لغايات وأهداف
 غير واضحة . يفضل بعضهم اعتبارها مجرد حلقة جديدة في النزاع السعودي - الروسي على التحكّم بالقرار النفطي عالميا، وبمنظمة أوبك تحديداً. وهو أمر مستبعد في خضم التراجع الاقتصادي العالمي اليوم، وحاجة كلا الدولتين إلى تعزيز إمكاناتهما الاقتصادية، سيما في ظل صعوبة التكهن بالمدة المتوقعة لتراجع الطلب العالمي على النفط، نتيجة تفشّي كورونا وتبعاته الاقتصادية المتلاحقة، بداية من الصين وصولا إلى أوروبا. ما يجعل تحديد مدة لتعافي الدورة الاقتصادية العالمية، وعودة عجلة الإنتاج والحياة الاقتصادية إلى سابق عهدها، أمراً مستحيلاً اليوم. وهو ما يجب أن يفرض على الدول المنتجة للنفط، وفي مقدمها السعودية وروسيا التنسيق في ما بينها، والتوافق على كميات الإنتاج النفطي، للحد من سرعة تهاوي الأسعار النفطية وحدّته. في حين جعل بعضهم من ضرب إيران اقتصاديا، أو بالحد الأدنى زيادة الضغط الاقتصادي عليها، هدفا مباشراً للتصعيد السعودي، سيما في ظل العقوبات الأميركية عليها، والصعوبات التي تواجهها داخليا في تأمين احتياجات مواطنيها، وفي مواجهة انتشار كورونا داخلها، ما يضعها أمام خياراتٍ صعبة، قد تدفعها إلى تقديم تنازلات كبيرة على الصعيدين، الإقليمي والدولي. وهو ما قد يوحي بوجود تنسيق روسي - سعودي مسبق على جميع هذه الخطوات والإجراءات، وبمباركة أميركية طبعا؛ بغية تحقيق جملةٍ من الأهداف والغايات الدولية الضبابية التي قد تدور حول لجم القوة الإيرانية، والحدّ من قدراتها الإقليمية، أو تطويعها قليلا. لكن وعلى الرغم من وجاهة هذا التحليل، وتوافقه مع عقلية النظام السعودي والتوجهات الأميركية، وربما الروسية، إلا أنه يسقط من اعتباره قدرات إيران الإقليمية التي تمكّنها من ضرب الإجراءات السعودية في مقتل، إن استشعرت خطورتها على قدراتها الحالية والمستقبلية، وخصوصا عبر أذرعها في اليمن (الحوثيين) والعراق (المليشيات الطائفية المتعدّدة)، والتي شهدنا بعض فصولها في الفترة الماضية، عبر اعتداءات عسكرية صاروخية على منشآت نفطية سعودية داخل المملكة وخارجها، ألحقت أضرارا متفاوتة بقدرات المملكة الإنتاجية للنفط، قد يكفي تكرار أي منها اليوم لفك العزلة المحتملة على إيران.
وعليه، لا يمكن استبعاد أهداف أخرى، قد تتمثل في نزاع مباشر على الأسواق النفطية العالمية، سيما الصينية والأوروبية، وهو ما يعززه إعلان السعودية عن تخفيض أسعار مبيعاتها النفطية 
بدءا من شهر إبريل/ نيسان المقبل، والذي يتوافق كذلك مع الرغبة الأميركية، المتمثلة في مزاحمة أهم منتجي المشتقات النفطية على أهم أسواقهم، وفي مقدمتهم الروس، وبالتحديد على أسواقهم الأوروبية. فعلى الرغم من تباين القوتين النفطيتين، الروسية والأميركية، لصالح الأولى، سيما فيما يخص تكلفة الإنتاج، وهو ما يجعل من انخفاض أسعار النفط عبئا أكبر وأصعب على المنتجين النفطيين الأميركيين من نظرائهم الروس والسعوديين طبعا، غير أن تنوع الصادرات الأميركية وتعددها، ومكانتها الدولية، وامتلاكها السلعة الأهم دوليا (الدولار) تعزّز من قدراتها على الصمود، والمضي في هذه المعركة النفطية، إن تبنتها وحمتها الحكومة الأميركية، عبر دعم منتجيها النفطيين وحمايتهم، بإقرار منح مالية ضخمة، وربما قروض آجلة الدفع، بالتوازي مع دعم تقني وعلمي متسارع، يهدف إلى تطوير آليات استخراجية جديدة أقل تكلفةً من المعمول بها.
إذا يبدو أننا مقبلون على مزيد من النزاعات والصراعات الدولية الاقتصادية والسياسية، وربما العسكرية، التي تهدف إلى إعادة رسم خريطة العالم، انطلاقا من الفوضى والعجز النسبي المتولد عن الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، وعن انعكاساتها الاجتماعية التي تأخذ منحىً تصاعديا واضحا في شتى بقاع العالم، ما يوحي أننا مقبلون، عاجلا أم آجلا، على توازنات دولية جديدة، قد يصعب التكهن بها منذ الآن، كما قد يصعب الجزم بقدرتها على المحافظة على النظام الدولي نفسه المسيطر منذ الحرب العالمية الثانية، سيما إن دخلت عوامل جديدة على الخط، وأهمها الشعوب التي تدفع وحدها ثمن هذه الصراعات العبثية.