بن سلمان وبن راشد وسؤال الأهليَّة

بن سلمان وبن راشد وسؤال الأهليَّة

14 مارس 2020
+ الخط -
تتراكم الدلائل المُشكِّكة في أهليِّة كلٍّ مِن وليِّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، ونائب رئيس دولة الإمارات حاكم دبي، محمد بن راشد، للحكم؛ فالأوَّل أقدم على اعتقال أمراء في الأسرة الحاكمة، بعد اتِّهامهم بالخيانة، على ما نُشر، والثاني توصَّلت محكمة بريطانية، بحسب صحيفة الغارديان، إلى أنه تصرَّف بطريقة تهدف إلى ترهيب زوجته، الأميرة هيا بنت الحسين، وشجّع آخرين على ترهيبها، نيابةً عنه. إضافة إلى إشارة الصحيفة إلى خطورة التُّهَم الموجَّهة إليه في حادثتي اختطاف ابنيته، الحادثتين اللتين عادتا إلى الأضواء، بعد أن أصدر القاضي سير أندرو ماكفارلين حُكْماً بأنَّ محمد بن راشد دبَّر حادثة اختطاف ابنتيه. وكانت الابنة الأولى، شمسة، قد اختُطفت من كامبريدج، عام 2000، فيما الثانية، لطيفة، جرى اختطافها من سفينة في المحيط الهندي، وأعيدت بالقوة إلى دبي، بعد محاولتها الهرب عام 2018.
ويكشف مستوى المعتقلين السعوديين عن الحالة الحرجة التي يعيشها محمد بن سلمان، وهذا يذكي الاعتراضات التي صاحبت تخويله ولاية العهد، داخل الأسرة الحاكمة نفسها، فقد كشفت صحيفتا وول ستريت جورنال ونيويورك تايمز الأميركيتان أنّ السلطات السعودية اعتقلت ثلاثة أمراء من الأسرة الحاكمة في المملكة، في إطار تعزيز سلطة ولي العهد محمد بن سلمان، وإزاحة المنافسين له على العرش، في وقت تحدّثت وكالة "بلومبيرغ" عن مخطّط للانقلاب في المملكة.
ومما يرجّح خطورة هذه الاعتقالات ودلالاته على مخاوف جِدِّيَّة من تمرُّد، أو انقلاب، طبيعةُ المنصب الذي تولاه كلٌّ مِن الأميرين، أحمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف؛ منصب وزير 
الداخلية، "وهو منصب قويٌّ يتولَّى الإشراف على القوَّات، وجهاز المخابرات السعودي"، بتعبير "وول ستريت جورنال"، وإنْ كانت مكانتهما تضاءلت في العائلة المالكة، في السنوات القليلة الماضية، مع تثبيت الملك سلمان ابنه محمد بن سلمان، وليّاً للعهد و"الحاكم الفعلي" للمملكة؛ ما يعني أن بن سلمان يحاول استباق تنازل والده الملك سلمان عن العرش، ليزيح منافسين له على العرش.
قد ينجح محمد بن سلمان، بما يملكه من سلطة، أو بالدعم الأميركي، (وليس بلا ثمن) في تثبيت نفسه ملكاً للسعودية، وقد لا ينجح. وحتى في حال نجح، فإن مثل هذا (النجاح) سيكون قلقاً، بعد أن لم تقتصر المعارضة على أوساطٍ في الشعب السعودي، ومنهم العلماء والمشايخ الذين يُزَجُّون في السجون، قلقاً بهذه الخطوة من الاعتقالات الجديدة من المقرّبين من الأمراء، وهم ليسوا، بالتأكيد، بلا أنصار، أو متعاطفين، فلكل فعل ردّة فعل؛ من مراكمة الامتعاض، ونقصان الثقة، بهذا الإيصال المُقْحَم، والقائم على الإكراه، لمحمد بن سلمان، إلى الحكم. ويتجلَّى هذا في تجاوز محمد بن نايف الذي "كان قيد الإقامة الجبرية، منذ تم إقصاؤه من ولاية العهد لصالح ولي العهد الحالي، محمد بن سلمان، في عام 2017"، كما تذكر "نيويورك تايمز". ومحمد بن نايف هو الشخصية التي كانت ستكون أكثر قبولاً لدى الأسرة الحاكمة، وغيرها، تراتبيّاً، بحكم الخبرة والتجربة ولاعتبارات السنّ.
وقد ظهرت سماتٌ من شخصية محمد بن سلمان في حرقه المراحل؛ بخطواتٍ تثير جدلاً غير هيِّن في الأوساط الاجتماعية، في موضوعة الانفتاح، مخلخلاً بذلك ما بُنيت عليه المملكة؛ من مفاهيم دينية جرى تأصيلُها، على مدى عقود. كما في استسهال توريط السعودية في حرب اليمن التي استنزفت غير قليلٍ من الخسائر المالية، وغير ذلك من مشروعاتٍ اقتصاديةٍ أقرب إلى المجازفة، وأبعد عن التحقق والإنتاج الفعلي، إذ تشير "نيويورك تايمز" إلى تقدُّم بسيط، أسفرت عنه خططه لتحديث الاقتصاد السعودي.
وأخيراً، أعادت أزمة النفط التأكيد على طريقة تعاطي وليِّ العهد السعودي مع الأزمات الدولية،
 وذلك في حرب الأسعار التي بدأتها السعودية مع روسيا، بعد الفشل في التفاهم مع روسيا والدول النفطية الأخرى على مواصلة العمل باتفاق لخفض الإنتاج، فعمدت المملكة إلى خوض حرب كسر عظم، حين قرَّرت زيادة إنتاجها من النفط، وخفض السعر، في هذا الوقت الذي يقلُّ فيه الطلب؛ بسبب تداعيات فيروس كورونا؛ لتصل القيمة السوقية لعملاق النفط السعودي حالياً إلى 1.4 تريليون دولار، بخسارة قرابة الـ300 مليار دولار، وهي أكبر خسارة يومية تلحق بالشركة، منذ طرح أسهمها للتداول. ولا يخفى ما لهذا التعاطي من آثارٍ ليست هيِّنة على الاقتصاد السعودي، وعلى حياة مواطني الدولة التي يمثِّل لها النفط المورد الأهم للدخل. وفي حين لم يستبعد المحللون، بحسب مجلة نيوزويك، هبوط الأسعار هذا العام إلى 20 دولاراً للبرميل، فإن محمد بن سلمان يحتاج إلى سعر 83 دولاراً للبرميل؛ لتجنُّب العجز في الميزانية السعودية.
وعلى التوازي، تشي التصرُّفات غير الرصينة لحاكم دبي، محمد بن راشد، عن شخصية لا تتفق مع ما تتطلَّبه صفةُ رجل الدولة، فإذا كان تصرُّفه هكذا، وردود أفعاله، مع بناته، وزوجته، وإذا كانت بيئته الأُسرية الضيِّقة لم تحتملها بناتُه وزوجته، فقد يثار السؤال عن قدرته على احتواء أزماتٍ أكبر، وأوسع. وفي المحصلة؛ لا تمنح السلطة المحضة من يقف على رأسها ما لا يمتلكه، أصلاً، بل إنه يصبح وبالاً عليها، وتصبح هي، بالتالي، وبالاً على الناس.