السعودية .. مملكة الانتظار والخوف

السعودية .. مملكة الانتظار والخوف

13 مارس 2020
+ الخط -
حملة جديدة من الاعتقالات قام بها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، طاولت شخصيات بارزة من آل سعود، شملت بالخصوص وزير الداخلية الأسبق عمّه، أحمد بن عبد العزيز، وابن عمه ولي العهد السابق محمد بن نايف. وأثار الأمر ضجّة إعلامية كبيرة قادتها كبريات الصحف الأميركية، وفي مقدمتها وول ستريت جورنال التي كشفت المسألة، ونشرت تفاصيل تتعلق بالخلفيات والتوقيت. واعتبرت أغلبية وسائل الإعلام أن توقيت العملية مهم جدا، ويشكل نصف الإجابة، كونه يتعلق بقطع الطريق على تشكل تكتلات ضده من داخل الأجنحة المتضررة في العائلة (أولاد عبدالله، أولاد سلطان، أولاد فهد، أولاد نايف .. إلخ)، والتي تمتلك عمقا وامتدادات كثيرة داخل المجتمع السعودي. 
واضحٌ جدا أن بن سلمان يريد استباق أي أمر مفاجئ في طريق خلافة والده، وهذه مسألة حسّاسة تتعلق في جانبها الأول بصحة والده، الملك سلمان البالغ 85 عاما، والذي لم يعد يظهر على الملأ كما جرت العادة. وأثار انقطاعه عن بعض المراسم اليومية أخيرا تكهناتٍ ذهبت إلى حد الجزم بوفاته. ويتعلق الجانب الثاني بتخوف محمد بن سلمان من عدم قدرته على فرض نفسه في غياب والده، ولذا يريد أن يصعد إلى العرش في حضوره، ما يسهّل أمامه العقبات بسبب سطوة والده، وقدرته على التأثير في الأوساط التقليدية، الدينية والقبلية التي لا يحظى بن سلمان بشعبية في داخلها.
وفي طريقه إلى اعتلاء العرش، يعمل بن سلمان على إبعاد كل من يجد لديه الأهلية للمنصب، وخصوصا أولئك الذين كانوا في طابور الانتظار، مثل عمه الأمير أحمد، بوصفه صاحب الحق في المنصب بعد سلمان، حسب التراتب الذي وضعه الأب عبد العزيز، وجرى العمل به حتى كسر سلمان القاعدة، ونقل الملكية نحو الجيل الثاني، وعين محمد بن نايف وليا للعهد، وبعدها أعفاه وأحلّ نجله محمد في المنصب. ويهدف بن سلمان، في المقام الثاني، إلى إسكات أي تململ سياسي داخل الأسرة وخارجها، يمكن أن يقود إلى نشوء تكتل سياسي واسع، باتت الساحة مهيأة له بسبب تراكم أخطاء بن سلمان.
لا يخلو كشف الصحافة الأميركية حملة الاعتقالات من دلالة، خصوصا أن مصادر عزت سبب الاعتقالات إلى اتصالاتٍ أجرتها الشخصيات التي تم اعتقالها بأوساط أميركية رسمية، والتشاور بصدد إزاحة بن سلمان. وهناك رواية أخرى جرى تداولها، تقول إن الإدارة الأميركية هي من تواصل مع هذه الشخصيات، من أجل التشاور حول إحداث تغيير في السعودية، وهذا ما أغضب بن سلمان.
والدرس الذي يمكن استخلاصه هنا أن بن سلمان قد ينجح في إخماد الاحتجاجات التي تظهر بين وقت وآخر من داخل الأسرة، ولكنه لن يتمكّن من قطع دابرها نهائيا، وستظل تعود كلما أوغل في الأخطاء، وزادت الكراهية التي يحظى بها من قطاعٍ من المجتمع السعودي لم يحسب بن سلمان حسابه، وهو مجتمعٌ يبدو أنه لم يتقبل ولي العهد وإنْ كان يبدي له طاعة. وهناك إجماع عالمي على أن بن سلمان يثير الرعب في السعودية التي تعيش حالةً من الخوف لم يشهدها السعوديون من قبل، حيث وضع نظاما أمنيا بوليسيا شبيها بنظام بشار الأسد. وباتت السجون السعودية تكتظ بمئات من الدعاة وعلماء الدين والمثقفين وقادة الرأي، كما فرض على الآلاف منع السفر وإجراء مراجعات دائمة لأجهزة الأمن، وهذا جو جديد لم تعهده السعودية من قبل، حيث كان النظام القائم على هامشٍ من الحريات الفردية يترك متنفسا عاما انعكس في السجالات العامة، وعلى صفحات الصحف، ومن خلال النتاج الثقافي الذي برز بقوة على الساحة العربية في العقد الأخير.
1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد