محاولة لخلط الأوراق في السودان

محاولة لخلط الأوراق في السودان

12 مارس 2020
+ الخط -
من الصعب حصر أبعاد محاولة اغتيال رئيس الحكومة السودانية، عبد الله حمدوك، في نطاقها الداخلي، لاعتبارات كثيرة، أبرزها أن إجهاض المسار الانتقالي في السودان يقع ضمن الأولويات الرئيسة بالنسبة لمحور الثورة المضادة، الذي يرى في تمدّد عدوى التحول نحو الديمقراطية خطرا استراتيجيا على مصالحه في المنطقة. 
لا يعني هذا استبعاد فرضية وجود جهة داخلية خلف محاولة الاغتيال هاته، فالانقلاب الذي أطاح حكم عمر البشير قبل سنة، وإن جاء في سياق الاستجابة لمطالب الحراك الشعبي، إلا أنه اندرج، في الوقت نفسه، ضمن محاولة إعادة هيكلة منظومة الحكم العسكري، بعد أن أصبح البشير عبئا ثقيلا، في ظل فشله في احتواء الحراك والالتفاف على مطالبه. ومؤكّد أن ما حصل داخل الجيش السوداني وأجهزة الأمن من إعادة اصطفافٍ، وتبدلٍ في رهانات مراكز القوى، وبروزِ صراع مصالح جديد، ذلك كله أفضى إلى تشكل طيف واسع من الخاسرين جرّاء ما شهده السودان من تحولاتٍ طوال سنة. ولعل أبرز هؤلاء الخاسرين القوى الاجتماعية والسياسية التي ارتبطت بزواج مصلحة مع نظام البشير، خلال العقود الثلاثة التي قضاها الأخير في السلطة. وجاء اتفاق تقاسم السلطة بين المجلس العسكري والمعارضة ليلقي بهذه القوى خارج المعادلة السياسية الجديدة في السودان، مع ما يعنيه ذلك من فقدانها مكاسب ومواقع داخل مختلف مؤسسات الدولة. ومن ثمّة تظل فرضية تورّط أنصار نظام البشير في محاولة اغتيال حمدوك قائمة، سيما وأن احتمال نجاحهم في اختراق الأجهزة الأمنية القريبة من رئيس الحكومة واستمالتها يظل واردا جدا.
من أبرز الخاسرين، أيضا، بعض أجنحة الجيش والأمن التي ترى في المسار الانتقالي بداية تفكيك العسكرتارية السودانية التي طبعت مساحةً لا يستهان بها من تاريخ السودان المعاصر. ومن الوارد جدا أن تكون غاية محاولة اغتيال حمدوك إشاعة جو من الخوف وعدم الاستقرار داخل الشارع، يكون مقدّمة لعودة العسكر للإمساك بزمام الأمور بذريعة محاربة الإرهاب والعنف، في سيناريو يعيد إنتاج النموذج المصري، بشكل أو بآخر.
بيد أن ما يحدث في المنطقة يجعل الحدث السوداني في قلب التقاطبات الإقليمية، ولذلك، فمحاولة الاغتيال تعكس مصلحة مشتركة بين محور الثورة المضادة في المنطقة، وجهةٍ أو تحالفٍ داخل معسكر الخاسرين من تحول السودان نحو الديمقراطية.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، استمات محور الثورة المضادة، طوال السنوات الماضية، لإسقاط الديمقراطية التونسية، وعمل كل ما في وسعه لإجهاضها بشتى الوسائل، لكنه أخفق في ذلك أمام النضج الذي أبدته النخب التونسية، وإصرارِها على الحفاظ على هذا المكسب الديمقراطي في محيط إقليمي مضطرب. ولكن هذه المحور لا يبدو مستعدا لقبول واحة ديمقراطية أخرى، في الإقليم، تشكل عمقا حيويا للتجربة التونسية. والمسارُ الانتقالي في السودان لا يخدم رهاناته في إدارة الفوضى التي تعصف بأكثر من بلد عربي، ويتعارض مع استراتيجيته القاضية بتأمين حكم عبد الفتاح السيسي، أحد أركانه وأكثرها خطورة على تطلعات شعوب المنطقة نحو الديمقراطية والحرية.
هناك جهات داخلية وخارجية تسعى إلى الانقضاض على الثورة السودانية، والانعراج بها نحو الفوضى وعدم الاستقرار، بعد أن فرضت المعارضة، ممثلةً في قوى الحرية والتغيير، نفسها رقما أساسيا في ميزان القوى الجديد الذي تمخض عن إطاحة حكم البشير.
تحاول هذه الجهات استثمار بطءِ الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تعهدت حكومة حمدوك بإنجازها، وتدهور الوضع المعيشي والاجتماعي لفئات واسعة من السودانيين، هذا من دون إغفال بعض الوقائع الجانبية التي هزّت صورة مجلس السيادة أمام الرأي العام، خصوصا لقاء رئيس المجلس، الفريق عبد الفتاح البرهان، مع بنيامين نتنياهو، في أوغندا الشهر الماضي، وهي الواقعة التي حاول أنصار النظام السابق توظيفها للنيل من مصداقية النظام الجديد الذي تشكل نتيجة توافق العسكر والمعارضة المدنية.
يبدو الغرض من استهداف حمدوك خلط الأوراق في السودان، وإرباك المعسكر الديمقراطي، فيما يبدو خطة مدروسة، بإشراف إقليمي، لإجهاض المسار الانتقالي وعودة الحكم العسكري.