من الذي لا يحبّ ليلى؟

من الذي لا يحبّ ليلى؟

06 فبراير 2020

ليلى العثمان تكتب ".. سيرة حياة كاتبة"

+ الخط -
أسعدني الحظ أخيرا بمشاركة الكاتبة الكويتية الصديقة، ليلى العثمان، الحديث في ندوة أدبية إبداعية نظمتها مكتبة طروس للنشر والتوزيع في الكويت، بعنوان "على سبيل البوح .. مقاربة في السيرة الذاتية". والسيرة الذاتية هي موضوعي المفضل في القراءة دائما. وربما لهذا أجد نفسي في كل معرض للكتاب أبحث عن كتبٍ مميزة في السيرة الذاتية، فلا أجد إلا قليلا وبشكل بائس غالبا، فالسيرة الذاتية موضوع محاط بالشكوك والأشواك، لأنه يتطلب من كاتبه، بالإضافة إلى موهبة عالية في الكتابة، صدقا يقترب من مرحلة العري التام. وهذا ما لا يستطيعه معظم الكتاب العرب لظروف كثيرة. 
وإذا كان الكتاب العرب يخشون الاقتراب من منطقة السيرة الذاتية، فإن خشية الكاتبات النساء تبدو مضاعفة. ومعظم ما كتبه الكتاب والكاتبات العرب لا يرقى إلى اعتبارات ذلك الفن السردي الرفيع، إلا أن الأمر لم يخلُ من بعض السير الجميلة جدا، والتي أبقيتها دائما في رفّ كتبي المفضلة.
في التجربة العربية، وخصوصا في الكويت، لا يمكن إغفال تجربة ليلى العثمان في كتابة السيرة الذاتية، فلها أكثر من تجربة جزئية فيها، قبل أن تصل إلى المرحلة التي تطلق عليها عبارة "سيرة حياة كاتبة". وربما أولى هذه التجارب كتابها القصصي "الحواجز السوداء" الصادر في العام 1994، وهو عما حدث لها ولمحيطها في أثناء فترة الاحتلال العراقي للكويت، ثم كتابها "بلا قيود.. دعوني أتكلم" الصادر في 1999، وتتناول فيه هامشا من حياتها في الكتابة، ثم كتابها "المحاكمة.. مقطع من سيرة الواقع" الصادر في العام 2000 الذي كتبت فيه دقائق المحاكمة التي تعرّضت لها في محكمة كويتية بسبب كتاباتها. وبعده كتاب "يوميات الصبر والمر" الصادر في 2003، وعادت فيه إلى تجربتها في العيش تحت وطأة الاحتلال العراقي للكويت.
كلها كتب تناوش فيها ليلى العثمان فن السيرة من زوايا مختلفة، لكنها في كتابها الصادر في العام 2018 بعنوان "أنفض عني الغبار.. سيرة حياة كاتبة"، تعلنها صراحة، كسيرة ذاتية مكتملة أو على الأقل على طريق الاكتمال، فالسيرة لا تكتمل إلا بالموت. وليلى تقول إنها "لحظة صعبة هذه التي أقرّر فيها الآن أن أفتح صندوق حياتي محكم الإغلاق، وكأنه الكنز الدفين الذي لن آخذه معي حين أموت". صحيحٌ أنها لن تأخذه معها، لكنها تتركه وراءها أثرا كأثر الفراشة .. لا يزول، كما يقول محمود درويش.
ليلى التي قرّرت أن تنفض عنها الغبار، غبار الأيام والحكايات والتفاصيل والصور، لتكتبها لنا سيرة ذاتية على سبيل البوح، تبدو، في هذا الكتاب تحديدا، وكأنها تصالح نفسها مع كثيرين، منهم من رحل كوالدها ووالدتها رحمهما الله، ومنهم من بقي، وقد تتاح له فرصة قراءة هذه السيرة المحتشدة بالحياة وبالموت وما بينهما من كتابة.
توقفت في الكتاب عند ثلاث مرات، تمنّت فيها ليلى الموت لوالدها؛ مرّة عندما عنّفها لأنها كتبت قصيدة حب لحبيب متخيل، ومرّة عندما منعها من الذهاب إلى المدرسة وإكمال دراستها، ومرّة عندما منعها من النشر حتى وهي متزوجة. ثلاث مرات فارقة ارتبطت دائما بالكتابة، والتي يبدو أنها قدر ليلى العثمان الجميل.. تقول: "في كثير من الأحيان، أحس أن الكتابة هي أمي وأبي اللذان لا بد أن أخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وهي الاستعمار الذي لا أناهضه، ولا أقوم بثورة ضده، وهي الرجل الذي أحب، ومهما عذّبني أتوق إليه".
نعم إنه القدر الذي حولها من طفلة مكروهة كما كانت تظن، وكما ورد نصا في كتابها، إلى أكثر أديبة محبوبة في الوسط الثقافي الكويتي كما أظن، وأنص عليه أنا الآن .. فمن الذي لا يحب ليلى؟

دلالات

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.