موتٌ قادمٌ من الصين

موتٌ قادمٌ من الصين

05 فبراير 2020

امرأة ترتدي قناعاً ضد "كورونا" في طوكيو (26/1/2020/Getty)

+ الخط -
يبدو أننا سوف نتوقف عن ترديد مقولة "اطلبوا العلم لو كان في الصين"، والتي كنّا نكتبها على سبّورة الفصل، ونحن صغار، ونعني بها أن علينا تحمُّل أعباء طلب العلم، خصوصا فصول المدرسة ذات الأسقف التي يتسرّب منها ماء المطر، وهي فصول مدرسة خاصة باللاجئين الفلسطينيين، ولكن ذلك لم يمنع أننا قد واظبنا على التعليم، ونهله منها، ما استطعنا. لم نصل إلى الصين، بالطبع، ويبدو أيضا أننا محظوظون؛ لأننا لو رأينا الحيوانات التي يأكلها الصينيون لما فكّرنا بأن نحصل على علمٍ من بلادهم، ولكن بقليلٍ من العقل والتعقل سوف تهمس لنفسك، ما لنا ولمعتقداتهم؟ فهم أصحاب دولةٍ متطورةٍ تنافس الولايات المتحدة الأميركية اقتصاديا، حتى انتشر هذا الوباء، وتساءلنا: كيف ظهر هذه الأيام على الرغم أنهم يتناولون حساء الخفافيش، منذ آلاف السنين؟
هناك السذّج الذين يعتقدون أن أيّ وباءٍ يحل في الصين، أو أي بلد بعيد، سوف يكونون في منأى عنه، ظنًّا منهم أن تلك البلاد بعيدة، ولكنهم لا يعرفون أن عجلة الزمن قد دارت، وأن البلاد التي كان يصل إليها المرء في شهور، وهو يرتحل فوق دابّة، أو على سفينة، قد تغرق قبل أن تبلغها، قد أصبح في الوسع وصولها بعد ساعات سفرٍ في الطائرة. ولذلك يصل أهلها إلى كل بلد لقضاء مصالحهم، والعدوى سرعان ما تتطاير منهم، فالشماتة ببلاد الكفر، كما يفعل السذج، ليست في محلّها، وربما لو انتشر مثل هذا الوباء في البلاد العربية، سوف يواجهونه، كما كانوا يفعلون مع مرض الحصبة، حيث كانوا يكتفون بتخصيص الملابس الحمراء للمريض، وكأن اللون الأحمر سيسحب الحمّى، وكما لا يزالون يفعلون مع صفار المواليد، حيث يلبسون المولود الملابس الصفراء، لسحب المادة الصفراء من دمه.
وبعض ممن ينظرون إلى الموت القادم من الصين أنه حربٌ بيولوجية جديدة، ينظرون بعين نصف نائمة للحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، حيث تحتل الصين المرتبة الثانية، بناتج صناعي محلي يبلغ 14 تريليون دولار. ويرى محايدون الأمر ليس كذلك؛ لأن الحرب البيولوجية تكون على نطاق منطقةٍ ضيقةٍ محدودة، فيما ينتشر هذا الوباء سريعًا، ويتحدّى حدود الصين، ما يهدّد العالم بأسره.
تفسيراتٌ، وتأويلاتٌ كثيرة بشأن هذا الموت القادم، وإن كان يؤكّد على قدرة الصين، بوصفها دولة عظمى، على المواجهة. ولنا أن نتخيّل لو اجتاح هذا الوباء بلدًا مكتظة السكّان، في العالم العربي، كيف سيكون الأمر، مقارنةً بجاهزية الصين التي شرعت ببناء المستشفيات الخاصة، وعزلت الولاية التي ظهر فيها المرض، وإنْ كان خطأ الشاطر الذي وقعت فيه الصين قاتلًا، وهو أنها قامت بتطهير السوق الشعبي الذي ظهر فيه الطور الأول من الفيروس؛ ما أضاع الفرصة للتعامل معه، وأصبحت المواجهة مع طورٍ أقوى، وأكثر شراسةً، فأحيانا يكون الحرص الزائد مدعاةً للخطر الزائد، مثل الأم التي تمنع طفلها من اللهو في الحارة، ولكنه يجرح نفسه بسكّين مطبخ بيتها الذي حبسته فيه، ليل نهار.
أصبح الموت القادم من الصين مدعاةً للسخرية والشماتة لدى بعض العرب، وكأننا نسبق الصين بآلاف السنوات، وكأن حياتنا لا تديرها المنتجات الصينية من آلاتٍ وملبوسات، كما أن أكبر أثره سيكون على تجارة النفط في الخليج والعراق، حيث يعتمد على أسواق الصين، في تصدير النفط.
قبل انتشار فيروس كورونا، لجأ شاب صيني لحيلة؛ لكي يتخلّص من خطيبته، وذلك بأن ادّعى أنه ارتكب جريمة سرقة، وتم القبض عليه، وقد لجأ لهذه الحيلة؛ لأنه يعرف أن الشعب الصيني يهتم بالأخلاق، والمكانة الاجتماعية، ولا يمكن أن يقبل الأب الصيني لصًّا زوجًا لابنته، فيما نقبل بالثري اللص لبناتنا، ونتعامى عن مصدر ثروته؛ لأننا نسير خلف المظاهر، ولا ننظر سوى تحت أقدامنا، في كل مشكلة، أو قضية. ولذلك نحن لا نعرف عواقب زواج الثري اللص لبناتنا، كما أننا لا نعرف عواقب الشماتة في ذوي العيون الضيقة الذين حلّ بهم بلاء، ليس بعيدا عنّا.
avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.