اللاجئون ورقة مساومة

اللاجئون ورقة مساومة

01 مارس 2020
+ الخط -
اعتادت تركيا، عند كل أزمة مع الغرب، على اللعب بورقة اللاجئين السوريين، باعتبار أنها ليست مسؤولة وحدها عن تحمّل ملايين اللاجئين على أراضيها، في ظل التقاعس الغربي عن الوقوف إلى جانب أنقرة في مواجهتها تصاعد القتال في الشمال السوري، والذي يهدد البلاد بتدفق مزيد من اللاجئين، وهو ما تقول تركيا إنها لم تعد تحتمله. الأمر منطقي ومفهوم في السياق السياسي، فاللاجئون السوريون، وخصوصاً في هذه المرحلة التي يعيش فيها الشمال السوري وضعاً صعباً، باتوا ورقة مساومة، ولطالما هدد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بفتح الحدود أمام اللاجئين للتدفق إلى أوروبا، وهو ما يثير قلقا كثيرا لدى الدول الغربية، غير أن التهديد في الأيام الماضية تحوّل إلى فعل، بعد تلكؤ حلف شمال الأطلسي في الوقوف إلى جانب تركيا في مواجهتها، غير المباشرة مع الروس، في إدلب ومحيطها، والتغاضي عن المطلب التركي بفرض منطقة حظر جوي فوق المحافظة. كان ردّ الفعل التركي مباشراً هذه المرة، وما كانت تظنه الدول الأوروبية محاولة تركية للضغط بات أمراً واقعاً، بعدما أمنت أنقرة حافلات لمئات اللاجئين، السوريين وغير السوريين، للذهاب إلى الحدود والتدفق إلى أوروبا، في مسعىً إلى إظهار الجدّية التركية في التهديدات التي كانت تطلقها. 
هذا على الصعيد السياسي، فاللاجئون بالنسبة إلى أنقرة اليوم، وعلى الرغم مما قدمته لملايين منهم خلال السنوات التسع الماضية، هم ورقة ضغط، ترفعها عند كل نقطة تحوّل في المشهد السياسي والعسكري المتغير، على الأرض السورية تحديداً. لكن ماذا عن الصعيد الإنساني؟ وأي مصير ينتظر هؤلاء الباحثين عن "جنة الحياة" في أوروبا، في حال استطاعوا الوصول إليها، ولم تتقطع بهم السبل مثل آلافٍ لا يزالون عالقين في مخيمات لجوء على الحدود الأوروبية في أكثر من دولة؟
لا يمكن مقارنة ما فعلته تركيا مع اللاجئين السوريين حالياً مع ما قام به نظام معمر القذافي مع الفلسطينيين في عام 1995، في أعقاب اتفاق أوسلو، حين طرد الفلسطينيين الذين يعيشون في ليبيا، ورماهم على الحدود في إطار محاولة الضغط على منظمة التحرير لاستقبالهم في السلطة الوليدة. حينها علق هؤلاء الفلسطينيون على الحدود الفاصلة بين مصر وليبيا أشهر عدة، وتم استحداث مخيماتٍ لهم، قبل أن تحل المشكلة بعد أشهر عدة. تركيا لم تجبر اللاجئين على الرحيل، كما فعل القذافي، لكنها أمنت لهم السبل المجانية لذلك، في ظل حالةٍ من اليأس التي تعتري كثيرين، وخصوصاً مع انعدام آمال العودة، بالنسبة إلى السوريين، والقناعة أن الحياة الأوروبية هي الجنة الموعودة.
اليوم لا أحد يعلم أي مصير ينتظر هذه الدفعة الجديدة من اللاجئين إلى أوروبا، مع التشديد الأوروبي عموماً، واليوناني خصوصاً، على رفض استقبال أي طالبي لجوء جدد، ومواجهة محاولي الدخول بالغازات المسيلة للدموع والاعتقال. التشديد الأوروبي يعني أن مخيمات جديدة للاجئين في طريقها إلى التكون في الداخل اليوناني، وربما البلغاري، وربما مع إغلاق الباب أمام عودة من ندم على هذه المغامرة غير المحسوبة، إذ قد لا تسمح تركيا بمن وصل إلى الداخل الأوروبي بالعودة إلى أراضيها، مع وجود قرار إلغاء "إقامة الحماية" (الكمليك) لمن يغادر الأراضي التركية.
قد تكون الدولة التركية محقّة في محاولة رمي كرة اللاجئين في وجه العالم، والتأكيد أنها لن تكون وحدها قادرةً على تحمّل هذا الكم من البشر المتدفق إلى داخل أراضيها، لكن في الوقت نفسه، فإن مصير مئات، وربما آلاف، والذين كان كثيرون منهم يعيشون ويعملون في تركيا، سينتهي بخيام في العراء، وفي برزخ بين جحيم الهرب من القتل وجنة الدخول إلى أوروبا.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".