كورونا: العنصرية والمؤامرة والدول الفاشلة

كورونا: العنصرية والمؤامرة والدول الفاشلة

26 فبراير 2020
+ الخط -
الدول إما أن تكون فاشلة في كل شيء، أو أنها تخرج من إطار تصنيف الدول الفاشلة، ذلك أن الفشل كالحرية وكالعنصرية، لا حلول وسطى فيه. وعلى الرغم من أن فشل الدول غالباً ما يكون جليّاً لا يحتاج إلى دليل لإثباته، إلا أن أحداثاً تطرأ لتجعل من كلفة إعادة اكتشافه باهظة جداً. اجتاز فيروس كورونا أسوار الصين، من دون أن يعبأ بفرضيات المؤامرة، ومتجاهلاً تفاهات نظريات "الحرب البيولوجية" التي يخال بعض المهووسين أن دونالد ترامب اخترعها ليقضي على القوة الاقتصادية للصين، فأصاب إلى الآن أربعين تقريباً من بلدان المعمورة. حوصر في أماكن، وانتشر بسرعةٍ مرشحةٍ لأن تجعل بلداً كإيران ثاني أخطر بؤرة للوباء بعد الصين وقبل كوريا الجنوبية. وكأن الشعب الإيراني تنقصه مصائب النظام الذي يحكمه، وكوارث عقوبات ترامب التي تؤذي مواطني هذا البلد قبل أي طرف آخر، لينكبه وباءٌ عدواني مثل كورونا الجديد، معطوفاً على فشل دولةٍ أثبتت عدم نجاعتها في كل شيء. 
كان على العالم انتظار ساعات قبل حلول موعد ما يُسمى تجاوزاً "الانتخابات" التشريعية في إيران يوم الجمعة الماضي، ليكتشف أن "كورونا" منتشر منذ أيام في مدينة قُم، وأن السلطات أمرت بتأجيل إشاعة النبأ الكارثي، وأخفت تسجيل وفياتٍ بسبب المرض، إلى حين مرور موعد الانتخابات، لعلّ التأجيل يرفع ولو قليلاً من نسبة المشاركة البائسة التي وصلت إلى 40%، هذا إن صدّقنا البروباغاندا الرسمية، في أدنى نسبة اقتراعٍ تعرفها "الجمهورية الإسلامية". حصل تأجيل إعلان الخبر بالفعل مثلما أراد حكّام إيران، ولم يرفع ذلك من نسبة التصويت، بل كل ما فعله أنه فاقم من انتشار الوباء داخل البلد وخارجه. تعريفٌ للفشل السياسي يمكن تدريسه في كليات العلوم السياسية، لا تنافسه في مستوى الفضيحة إلا مأساة إسقاط الطائرة الأوكرانية في يناير/ كانون الثاني الماضي فوق أجواء طهران، لأن ضابطاً إيرانياً ظنّ الطائرة المدنية صاروخاً أميركياً، فأسقطها!
والفشل الإيراني في التعاطي مع المرض المستجد لم يقتصر على التضحية بحيوات بشر من أجل تمرير موعد "انتخاباتٍ" لا منافسة فيها أصلاً إلا بين مَن أراد النظام فوزهم، إذ كان السباق محصوراً بين المحافظين والمحافظين، فقد انتظرت السلطات افتتاح عدّاد الوفيات بسبب المرض القاتل، حتى بدأت تتثاءب في تنفيذ خطة محاصرته، بينما لم يجد المرشد الأعلى، علي خامنئي، سبباً للكلام إلا عن مؤامرةٍ استخدم مخطِّطوها "جميع الوسائل المتاحة، من ضمنها الخوف من انتشار فيروس جديد، لمنع المواطنين من المشاركة في الانتخابات". فتوى اختتمها الرجل بتهنئة نفسه، لأن "الإيرانيين تغلبوا على هذه المحاولات بمشاركتهم في الانتخابات" حتى ولو كان ذلك بفضل نسبة 40% غير مسبوقة في انحدارها. وبعد الانتخابات فقط، أمكن للنائب عن مدينة قم، أحمد أميريبادي فرحاني، إعلان أن حصيلة الوفيات بسبب المرض في مدينته وحدها منذ 12 فبراير/ شباط الحالي بلغت الخمسين.
هذا ما يمكن تسجيله على هامش الفشل، حين لا تجد سلطات، مثل إيران، إلا مهزلة المؤامرة لتبرير فشلها ومسؤوليتها عن التأخر في مواجهة مرض خطير ككورونا، بغرض تحقيق مآرب سياسية وضيعة. أما العنصرية التي يقابل بها بعض مناوئي حكام طهران في الإقليم انتشار المرض في إيران، فيصوّر إعلامهم الشعب الإيراني مصدرا للوباء، مشغولا بنشر المرض في رحاب بلدان الخليج، أو أماكن أخرى مثل لبنان، فذاك ما لا يمكن التعاطي معه إلا على أنه تجسيد للحقارة المستوطنة في نفسياتٍ مريضةٍ لم يعد العالم يحتمل وجود الكثير منها.
أي عقل آدمي يمكنه أن يصل، في مستوى عنصريته، إلى درجة معاداة شعبٍ لأنّ مرضاً مُعدياً فتك به؟ أي دماغ بشري تافه يقدر على الخلط بين نظام سياسي يتمنى سقوطه شعبٍ هو أكثر من يعاني من جراء ذاك النظام؟ أي رخيص يمكنه الشماتة بشعبٍ لأن مرضاً تفشّى في بلده؟
أرنست خوري
أرنست خوري
أرنست خوري
مدير تحرير صحيفة "العربي الجديد".
أرنست خوري