قصة زواج

قصة زواج

24 فبراير 2020
+ الخط -
نجح المخرج، نواه باومباخ، في تحويل تجربته الشخصية إلى دراما سينمائية باهرة، أهلت فيلمه "قصة زواج" لنيل خمس جوائز، والترشح لإحدى جوائز أوسكار لعام 2020، وحصول الممثلة البارعة، لورا ديرن، عن استحقاق، على جائزة أوسكار عن أفضل دور نسائي مساند، لأدائها المميز في تجسيد شخصية المحامية النسوية الشرسة التي تتبنّى قضية موكلتها بإخلاص كبير. وتعتبر المعركة القضائية في قاعة المحكمة معركتها الشخصية التي لا ترضى فيها بنتيجة أقل من سحق الخصم والإجهاز عليه كليا. 
فيلم "قصة زواج" الذي لاقى قبولا واستحسانا نقديا وجماهريا قد يبدو بسيطا للوهلة الأولى، لأن المخرج المبدع نواه، وهو كاتب النص والسيناريو والحوار أيضا، لم يعتمد أيا من عوامل الإبهار الإنتاجية المألوفة في هوليوود، فكانت الشخصيات ذاتها من أهم عوامل نجاح الفيلم، تحديدا شخصيتي الزوجين، نيكول وهنري، وقد قام بدوريهما سكارليت جوهانسن وآدم ريفر، وقدّما أداءً استثنائيا، في مشاهد طويلة نسبيا. كما اعتمد المخرج أسلوب السرد القصصي، وطريقة الكاميرا الواحدة التي تمنح الممثل حيزا أوسع للتعبير عن الشخصية، متلاعبا بمشاعر المتلقي في أول مشهد، حين يسرد كل من الزوج والزوجة مزايا الآخر، في رسالةٍ توضح أسباب انجذاب كل منهما للآخر، أسباب في غاية الوجاهة تلقي الضوء على الجوانب الإيجابية في شخصيتيهما. مثلا تصف المرأة، في سياق تعداد المزايا، زوجها بالعبقرية، ويصفها بالشجاعة، لنكتشف، بكثير من الخيبة، أن القصة ليست قصة حب وزواج سعيد، بل حكاية انفصال مريرة، وكل تلك الصفات الجذابة التي تمت الإشارة إليها لم تكن سوى تنفيذ لطلب المستشار النفسي الذي لجآ إليه، في محاولةٍ أخيرة، لم يكتب لها النجاح، لإنقاذ زواجهما. ولتنفتح الحكاية على خلافاتٍ حادّة معقدّة بين من كانا عاشقين سنين طويلة، ولنشهد بمتعة شديدة تصاعدا دراميا مذهلا في أحد أقوى مشاهد الفيلم، حين يتبادلان الانتقادات اللاذعة والجارحة، وحين يقول لها: لطالما تمنيت لو تدهسك سيارة، وتموتين بأبشع طريقة ممكنة.. وتجيبه بغيظ: أنت رجلٌ متوحدٌ مع أنانيتك، لا أصدق أنني مضطرة لمعرفتك إلى الأبد.
بعد ذلك، ينهار الرجل راكعا مجهشا ببكاء حقيقي، بلا مكابرة أو افتعال. وتترقرق دمعة في عين المرأة، قبل أن تهرع إليه وتحتضنه، من دون أن يعني ذلك أنها صرفت النظر عن رغبتها في الانفصال، لكنها تؤكد على الجانب الإنساني في العلاقة، ولا ترغب في التفريط بها. يبلغ حنان المرأة ذروته، حين تقص خصلات شعر الرجل، كما اعتادت أن تفعل في أيام الحب. يغمض عينيه مستسلما للحظة الوادعة العابرة التي جاءت في خضم معركة قضائية صاخبة، تورّط الاثنان بها في صراعهما على حضانة الطفل، وهو الضحية الوحيدة، على الرغم من يقينه من حب والديه، ورغبتهما الأكيدة في تجنيبه تبعات انفصالهما غير الأنيق، غير أن الضرر قد وقع وانتهى الأمر. وكما يبدأ الفيلم برسائل الزوجين، العذبة الشاعرية، يختار المخرج إنهاءه بالطريقة ذاتها، وكما شرح في لقاء تلفزيوني أنه نقل تجربته الشخصية في الطلاق وصراع حضانة الأطفال، محاولا الاستنتاج أن كلا الطرفين على حق، المرأة تريد تحقيق ذاتها، ممثلة موهوبة ناجحة ومطلوبة في هوليوود، والرجل مخرج مسرحي مبدع له حضوره ومنجزه الذي يتشبث به، ويعتبر انتقاله إلى مكان آخر تهديدا حقيقيا لاستقراره المهني والأسري.
الرسالة الأهم التي يريد المخرج إيصالها هي أننا حين ننفصل لا نتوقف عن أننا، آباء وأمهات، لدينا مسؤوليات اتجاه صغارنا، وارتباك العلاقة بين الزوجين نتيجة اختلاف وجهات النظر ينبغي أن لا يمس احترام كل منهما خصوصية التاريخ الذي جمعهما. وعلى الرغم من تأكيده على تحرّي الموضوعية في طرح قضية الانفصال، تمكّن نواه، في مشاهد عديدة، من كسب تعاطف المتلقي مع الرجل الذي أراده ضحية طموح المرأة، ورغبتها في الانعتاق. وهذا الانحياز الخفي الكامن في لاوعي المخرج ربما إلى جانب الرجل أمر مفهوم تماما من الناحية الإنسانية على الأقل.

دلالات

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.