اللاجئون السوريون ودور "الناتو"

اللاجئون السوريون ودور "الناتو"

23 فبراير 2020
+ الخط -
شعرت كل من فرنسا وألمانيا بجدّية الموقف، عندما تجاوز عدد الذين تركوا بيوتهم في أرياف إدلب وحلب وحماة المليون، بعد الهجوم أخيرا لقواتٍ من النظام السوري، مدعومةً بنيران روسية على هذه الأرياف. تدرك قيادات الدولتين الأوروبيتين أن بلديهما مهدّدان بفيضان جديد من اللاجئين، إذا استمر هجوم النظام المحموم على مناطق الشمال. وهناك تجربة لجوء سوري كبير في كل من فرنسا وألمانيا، نتجت عنها أزمات سياسية واجتماعية، سُلِّطَ عليها الضوء، وتحرّكت مؤشراتُ شعبيةِ الأحزاب صعوداً وهبوطاً، بحسب موقفها من قضية اللاجئين، وربط بعضهم تنامياً للتيارات اليمينية المتطرّفة في أوروبا بشكل مباشر مع قضايا اللجوء، وعبَّر متطرفو أوروبا عن رفضهم مزيدا من اللاجئين. وقد لا يتأخر مواطنو هذه الدول عن إقامة علاقةٍ بين الحادث قبل أيام في مدينة هاناو الألمانية الذي نفذه يميني متطرّف، على مقهى يرتاده مهاجرون، وقضية الهجرة ذاتها. لم يُظهر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أو المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، معاداةً للهجرة، بل قدّما نفسيهما دعاةَ سلام. وتطوَّع ماكرون عبر بعثته الدائمة في الأمم المتحدة لاستصدار قرارٍ لوقف القتال في إدلب، وهو الأمر الذي سيوقف سيل اللاجئين. فشل القرار في مجلس الأمن، لكن ماكرون لم يستسلم، فتواصل إلى جانب المستشارة الألمانية مع كل من الرئيسين، الروسي بوتين والتركي أردوغان في محاولة أخرى للتوافق على وقف الحرب.
"الحل سلمي وليس عسكرياً" كان هذا العنوان الوحيد لكل المؤتمرات والتجمعات الدولية التي عقدت على شرف الحرب السورية، بمن فيهم أصدقاء سورية وجيرانها والأعضاء الدائمون في مجلس الأمن، ولكن هذا الشعار لم يجد له مكاناً في الواقع. وعجز الجميع عن ابتكار صيغة عملية لتنفيذه، أو تغاضى من يمكنه فرضه عن واجبه، فاستمرّت الحرب، منتجة العدد الأكبر من اللاجئين، عبر تاريخ الحروب الحديثة. والفصل الحالي المسمى فصل إدلب ضمن سيناريو هذه الحرب ليس استثناءً، فالنظام أشعل المعارك عقب اختتام أول جولةٍ من جولات اجتماعات اللجنة الدستورية.
الوضع الراهن الذي تدعوه وسائل الإعلام الفصل الأخير مرشحٌ لإنتاج مزيد من اللاجئين وهم من تخاف أوروبا هجومهم الديمغرافي، على الرغم من أن المليون نسمة الذين تركوا منازلهم في الأيام الأخيرة ما زالوا على الأرض السورية، ولكنهم يقتربون أكثر من الحدود التركية، كلما ازداد الضغط على إدلب ومحيطها.
قد يكون ما فعلته فرنسا لتجنيب أوروبا مزيدا من اللاجئين باللجوء إلى مجلس الأمن مضيعة للوقت، في ظل وجود روسيا وموقفها المعروف. ولكن يمكن لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أن يلعب دوراً رئيساً في لحظة إدلب التي يجب أن تتحوّل إلى لحظة (الناتو)، فهجوم النظام والروس على إدلب بدواعي وجود الإرهاب يخلق تهديداً مباشراً لتركيا، وحدودُها على بعد خطواتٍ من إدلب، وهي العضو المهم والمؤثر في هذا الحلف. وعلى الرغم من أن تركيا أدخلت بالفعل معدات وقطعات عسكرية ضخمة إلى إدلب، إلا أنها بمساندة فعلية من "الناتو"، ستكون أكثر حسماً وقوة في مواجهة الروس.
حتى الآن، لم يُبدِ "الناتو" أكثر من ردّات فعل متعاطفة مع تركيا، ولم يسجل أي تحرّك لقواته، ولم تسمع لمسؤوليه تصريحاتٍ واضحةً تفيد بأنه مستعدٌّ للتحرّك. ولكن تركيا طلبت، في حركة استباقية، من الولايات المتحدة نشر بطاريات صواريخ باتريوت على حدودها مع سورية، وهو الأمر الذي حدث في منتصف العام 2013، لكن ضمن إطار حلف الناتو. أما هذه المرة فطلب الصواريخ كان من أميركا، وهي إشارة مزدوجة ترسلها تركيا، الأولى إلى حلف الناتو، لتذكيره بمهامه الدفاعية عن أعضائه، والثانية إلى أميركا التي لطالما ربطت تزويد تركيا بصواريخ باتريوت بإلغاء صفقة إس 400 الروسية. بهذا فقط يمكن إيقاف نكبة السوريين، وسيل اللاجئين المستمر، وليس عن طريق منابر الأمم المتحدة وخطبها.