الأردن .. أزمة الكهرباء وحال البلاد

الأردن .. أزمة الكهرباء وحال البلاد

21 فبراير 2020
+ الخط -
تنبهت الحكومة الأردنية إلى أن الحديث عن ارتفاع فاتورة الكهرباء كان مؤشراً على غضب متراكم، وأنّ من الممكن له أن يتطور ويتدرج، وقد يدفع الناس ثانيةً إلى الشارع. وتحسبت الحكومة لتكرار مشهد سابقتها، حكومة هاني الملقي، واحتجاجات الدوار الرابع (مقر رئاسة الحكومة في عمّان) في رمضان/ يونيو، حزيران 2018، فقاد رئيس الحكومة، عمر الرزاز، جهوداً كبيرة مع مطبخه الإعلامي، لضرورة توضيح الحقيقة للناس، لتسفر الجلسات الحكومية مع ممثلي قطاع الكهرباء، عن الطلب من رئيس الوزراء لهيئة تنظيم قطاع الطاقة، الاستعانة بشركة تدقيق للفواتير، وذلك للرد على أسئلة الناس المشروعة في ملف الطاقة، الغامض أردنياً. ومع أن حكومة الرزاز دعت مديري الشركات ووجهتهم إلى التفاعل مع الأمر بجدّية مع الإنصات إلى الناس والاجابة عن الاسئلة، إلا أن الفعل الحكومي صدّه تملّص بعض المسؤولين وغياب الرواية الفصيحة وعدم انسجام النوتة بين المعنيين بالأمر من أهل الطاقة، فكان عزفهم منفرداً وغير مقنع، وظل الجهمور في حالة ترقب.
وزّعت قيادات الشركات المعنية للظهور إعلامياً عبر مديريها في محاولة للتدارك، وعبر الناطقين الإعلاميين باسم الشركات، التهم والمسؤوليات بين أكثر من طرف، وبقي كثير من أجزاء رواية الطاقة غير معلَن وغير مباح، وظل السؤال الملحّ من الناس عن الفاقد في الحمل الكهربائي من يتحمّله؟ ثم جاءت تصريحات وزيرة الطاقة، هالة زواتي، التي نُفيت، ولكن أين المفر من جمهور أردني متيقظ، فثبت أنها قيلت، ووثقت بقولها: "إن المواطن الملتزم يذهب ظلماً بحساب المواطن السارق للطاقة". وهكذا تدحرجت الكرة ليصدر تصريح آخر عن الوزيرة زواتي بأن الناس 
يستسهلون كبسة الكهرباء، مع عدم إدراك للصرف والأسعار. ومرة أخرى، يتحمّل المواطن الأردني المسؤولية. ومرة أخرى، جاءت أسئلة من مواطنين يؤكدون أنهم لم يشغلوا أجهزة جديدة، ولم يشتروا كهربائيات تصرف بكميات كبيرة، وقاموا بالتشغيل نفسه في الأشهر الماضية، لكن الفاتورة جاءت مضاعفة في الشهر الماضي (يناير/ كانون الثاني). وهنا تجيب الجهات المعنية بأن على المعنيين أن يتجهوا إلى الشكوى والتحقيق، وهناك من قال إن مواطنين وجدوا أن شققهم تفرغ الكهرباء في الأرض، وثمة أخطاء في تمديد العمارات، وإذا سلمنا بذلك، فمن أعطى الرخصة للمقاول؟
أدّى ذلك كله، مع تفاصيل أخرى، إلى انتفاخ وسائل التواصل الاجتماعي بفوضى التصريحات والتعليقات ضد شركات الكهرباء، وصدرت دعوات مليونية إلى مقاطعة الدفع لها، تحت عنوان "مش دافع"، وكأن الأمر ريح صرصر عاتية تهب، فيما الأجوبة الحقيقية في بطن الحوت الذي أكل غنيمة الطاقة، ويبرّر كل سياساته في ارتفاع كلفة التوليد، مع أن الأردن بات بلداً ينتج طاقة شمسية أكبر من حاجته، ويتعهد بتصديرها إلى جيرانه، في وقتٍ تقرّ فيه الحكومات بشروط قاسية فرضها المحتكرون، والثابت أن ثمّة خللاً، وأن الرواية التي قدّمت غير مقنعة، وأن تهرّب المعنيين وخوفهم وتردّدهم وتملصهم من أسئلةٍ كثيرة تثبت أن ثمّة خطباً ما، وثمّة أخطاء، وأن المواطن على حق في تظلمه، وأننا دوماً ندير الأزمات في ظل رجال وقيادات إدارية ضعيفة. وقد جاء في تقرير المجلس الاقتصادي الاجتماعي الذي مثل مساحة نقدية وطنية عالية الجودة والصراحة أنها إدارات تمثل الإدارة العامة، وتقودنا إلى الهاوية، إذا بقيت على علاتها وضعفها ولم تُصلح أو تُختَر بعناية، والأسف أن الضعف والفساد لم يعودا في القطاع العام، بل تعدّياه إلى القطاع الخاص وقياداته التي تشارك في إدارة الخدمات العامة.
وتقرير حال البلاد لهذا العام أكثر رشاقة من سابقه، وهو حصيلة جهد خبراء وأصحاب رأي في مختلف القطاعات، ويمكن أن يشكل الجهد الإصلاحي المؤسسي المنضبط والدوري، الذي يصدر عن مؤسسة شبه مستقلة، ويشرف عليه الأكاديمي والنائب السابق، مصطفى حمارنة، الذي عُرفت عنه قدرته على إبداع أدوات جديدة للمؤسسات التي يتبوأ قيادتها. فقبل سنوات، كانت الإجابة عن المجلس الاقتصادي الاجتماعي، إذا ما ورد سؤال عنه، أنه مؤسسة أو هيكل جديد اخترع للإفادة من أموال المانحين. أما اليوم، فالمجلس بؤرة نشاط، وخلية عمل مؤسسي، وفيه لقاءات مستمرّة طوال العام للخروج بوثيقة "حال البلاد"، وتضم معاينة لكل المشهد الداخلي وقطاعاته، التي لم تكن تحدُث إلا منذ عامين.
وكأي جديد، أو جهد نحو التقييم والنقد للبنى التقليدية المتراصة والإدارة الثاوية في عتمة الفساد والهدر وضياع الفرص، لقي التقرير من يشكّك فيه، ومن عارضه، علماً أن لا ردود علمية أو 
عملية رافضة ما جاء فيه، وأبدت حكومة الرزاز استجابة جيدة لما ورد فيه، ووُجِّه المعنيون في المؤسسات والوزارات للتعامل بإيجابية معه، فهو جهد أردني وطني خالص، وليس منتجاً هجيناً.
حدث هذا كله في ظل الحديث الأردني بين الصالونات عن لجوء عمر الرزاز إلى إجراء تعديل على حكومته التي تواجه واقعاً سياسياً واقتصادياَ صعباً، في ظل تداعيات ما سُمِّي صفقة القرن، وصدور أصوات سياسية عديدة مطالبة بحكومة وطنية أو مؤتمر وطني، من دون أن يقول أحد للجمهور ما معنى حكومة وطنية، وهل حكومة الرزاز غير وطنية. وكان الأجدى بالنخب والجهات المطالبة بالتحصين والاستعداد لمعركة كبرى في مواجهة صفقة القرن، أن يقولوا نريد حكومة أقطاب أو حكومة بخلفية عسكرية مثلاً، في مواجهة الحمق الإسرائيلي، لكن أن يُقال: "حكومة وطنية"، فهذا وصفٌ غير موضوعي، مع الإقرار بأن الحقبة الراهنة أردنياً لا تعدم الحاجة لقياداتٍ وحكومةٍ ذات عمق سياسي كبير، أو يكون رأسها من هم في خلفية معارضة ورافضة لنهج السلام برمته. ولكن ماذا سيفيد ذلك الأردن الذي يقاوم وحده مع الفلسطينيين، ويتأثر معهم أكثر من غيره من العرب، وهو بوابتهم على العالم. كلّ ذلك الرفض العربي البياني والكلامي يحدث في ظلّ إعلان الأردن تجديد فريقه الطبي في المستشفى العسكري الأردني رقم 60 في غزة، وذلك ما يمكث في الأرض، وينفع الأشقاء في مواجهة واقعهم المرير؟
F1CF6AAE-3B90-4202-AE66-F0BE80B60867
مهند مبيضين
استاذ التاريخ العربي الحديث في الجامعة الأردنية، ويكتب في الصحافة الاردنية والعربية، له مؤلفات وبحوث عديدة في الخطاب التاريخي والتاريخ الثقافي.