على طريق حلب دمشق

على طريق حلب دمشق

16 فبراير 2020

قوات سورية حكومية بالراشدين قرب حلب (11/2/2020/ فرانس برس)

+ الخط -
يتكرّر ذكر الطريق الدولي M5 في التحليلات العسكرية ونشرات الأخبار التي تتابع سير تحرّك الاشتباكات في الشمال السوري، وتجذب أخبارُ التموضعات العسكرية على طول الطريق المذكور بعض التحليلات الاقتصادية. بالنسبة لاقتصاد النظام، خرج الطريق عن الخدمة منذ فترة طويلة، حين انتقل إلى كفة المعارضة في أكتوبر/ تشرين الثاني 2012، بعد سيطرتهم على معرّة النعمان، والطريق من مورك شمال حماة حتى حلب في الشرق عند دوار الموت، متحولاً إلى شارع الحمدانية، ومقطوعاً بُعيد خروجه من حمص، عند تير معلة حتى الرستن. من حينها، لم يعد لهذا الطريق دور اقتصادي يذكر، وانحصرت أهميته تقريباً بنقل العتاد العسكري والجنود من وإلى الجبهات، ولكن النظام، في الآونة الأخيرة، رأى الظروف مناسبة لاستعادته، وهو الشريان الرئيس الذي يربط جنوب سورية بشمالها، وهو الطريق الرئيس الذي يصل مركز جابر الحدودي مع الأردن بحلب، مارّاً بدمشق وحمص وحماة، إضافة إلى عدد من المدن والمراكز الحضرية الصغيرة. وأصبحت السيطرة عليه رمزاً سيادياً وفرصة لحركة اقتصادية بين دمشق وحلب. 
كان هذا الطريق أحد العناوين الرئيسية في محادثات سوتشي الثلاثية بين تركيا وروسيا وإيران، واعتبره الروس حدوداً يجب استيعابها لصالح النظام، فلجأوا إلى علاقات براغماتية ناشئة مع تركيا، لتحقيق هدفهم بالحصول على كامل الطريق، والسيطرة عليه على دفعات. بدأت الخطة في شهر أغسطس/ آب الماضي، بالدخول إلى خان شيخون، ثم معرّة النعمان وأخيراً سراقب، وما زال التقدّم مستمراً وسط أنباء عن أن الطريق بالكامل أصبح تحت سيطرة قوات النظام بحماية جوية روسية مطلقة. وقد خلفت هذه الهجمات دماراً هائلاً وسيلاً جارفاً من المشرّدين والمدن الخاوية التي كانت تعيش على طرفي الطريق وتمنحه الحياة. وتغير شكل الوظيفة الاقتصادية التي كانت تميز الطريق إلى رمز عسكري، ونقطة علامة لحدود مناطق سيطرة النظام الذي توحشت فصائله والطيران الروسي في سبيل الحصول عليها، وتعرّض الطريق لضرر كبير مع مرور الوقت، من دون أن يخضع لأي نوع من الصيانات الدورية، لكنه على العكس تحمَّل ثقل الجنازير المدرّعة وأحمال الشاحنات الثقيلة، وغدا من غير الممكن التعويل عليه بشكله الحالي لتقديم خدمات اقتصادية.
خسر النظام بنيته التحتية المهمة في محافظة إدلب لصالح بقائه في حلب الغربية، وكدَّس الكثير من إمكاناته العسكرية في درعا بالجنوب، فخسر محافظة إدلب وجزءاً كبيراً من شمال حماة وغرب حلب وشمال اللاذقية، بما في ذلك شبكة طرق مهمة، تتفرّع كلها أو تصب في هذا الطريق الهام. ولإعادة الحياة، يجب أن يعاد بناؤه، خصوصا وأن تاريخ بنائه الأول يعود إلى السبعينيات، وهناك دراسة صادرة عن البنك الدولي في 23 مارس/ آذار 1978، تحت رقم P2200، توصي بتقديم قرض لسورية لإنشاء وصيانة الطريق M5 الواصل بين دمشق وحلب، بما فيها إعادة تعبيد 250 كيلومتراً، وإنشاء تحويلة عند حمص طولها 25 كيلومتراً. ويقول التقرير إن قيمة المشروع كانت 113 مليون دولار، منها 58 مليون دولار ستكون قرضاً من البنك الدولي، والباقي تموّله الحكومة المحلية. ويذكر التقرير أن قيمة الدولار تعادل ثلاث ليرات وخمسة وتسعين قرشاً سورياً فقط. ويعطي هذا التقرير فكرة عن كلف إعادة تأهيل كامل الطريق التي يحلم بها الجانب الروسي اليوم في سورية، ومنها هذا الطريق الذي أصبح أكثر شهرة من طريق الحرير.
تحتاج الاستفادة من هذا الطريق اقتصادياً أولاً لتمويل إعادة الإعمار، وهذا صعب جداً في ظل وجود قانون قيصر الذي يحاصر النظام وحلفاءه، كما أن الإعمار يحتاج إلى ديموغرافيا للعمل، وتقدّر الهيئات المختصة عددَ اللاجئين الجدد بأنه تجاوز المليون، منذ بداية الهجوم الحالي فقط، وهو رقم مرشح للزيادة.. وعلى الرغم من ذلك، ما زالت روسيا في مكان آخر، تفكر بابتلاع طريق آخر، وهو M4.