برد الزنازين

برد الزنازين

07 يناير 2020

(معتز نصر)

+ الخط -
إي نعم يا صديقي.. 
حركة حماس تدافع عن إيران، وتعزّي في قاسم سليماني، القاتل الذي تسبب في إزهاق أرواح آلافٍ من المدنيين الأبرياء العزّل، من أطفال، ونساء، وشيوخ، تماما كما تفعلها إسرائيل، وربما أخسّ. وعلى الرغم من ذلك تدعمه "حماس"، فهو يدعمهم، والدعم مشروط بالدعم، ولا مكان للأخلاق في القضايا الأخلاقية، فإذا أردتَ أن تدافع عن شرف القضية فلا تهتم بقضية الشرف. اهتم بمصادر تمويلك، أما نحن فلا نهتم بالقاتل، ولا بمن يدعمه، إنما نهتم بالبطاطين!
إي نعم يا صديقي..
الإسلاميون يدافعون عن رجب طيب أردوغان، يحتفون بوجوده في ليبيا، يؤيدونه بالفتاوى والآراء الدينية الجاهزة. الآيات مع أردوغان، والأحاديث معه، والتاريخ، والسير. كل جراب الحاوي في خدمة الخليفة، بالإضافة لهم أنفسهم، أرواحهم، ولا مؤاخذة أجسامهم. بعضهم رأى أن أردوغان لو أراده جنديا فسيذهب. أردوغان بدوره يدعمهم، إيواء، وقنوات، وجوازات، والداعم أوْلى بالمدعوم. هو يريد هتافاتهم، وهم يريدون الانتقام ممن أفقدهم كراسيهم، أما نحن فلا نريد إلا البطاطين.
إي نعم، يا صديقي..
المصريون يصدّقون أن عبدالفتاح السيسي حامى حمى الأمن القومي المصري، ليس المصريون كلهم بطبيعة الحال، لكن ثمّة من يصدّق، وهذا حقه. الدولة المصرية تحت قيادة السيسي باعت جزيرتي تيران وصنافير مقابل ملياري دولار، وتنازلت عن حقوقها في حقول غاز المتوسط مقابل دعم السيسي والاعتراف به، واكتفت بأن يحلّف رئيس الوزراء الإثيوبي بالله العظيم ثلاثا أنه لن يحرم المصريين من الشرب، ثم كان ما كان من أمر سد النهضة الإثيوبي وسخرية الإثيوبيين، وعدم اكتراثهم، وإكمالهم مشروعهم. لا يلوون على شيء، وسعينا نحن، بالأحرى دولة السيسي التي اكتفت بالحلفان، إلى توسيط القريب والبعيد، ليشفعا لنا لدى السيد الإثيوبي، لعله يدرك أن الشعب المصري لم يجد من يحنو عليه، فيحنو ويترك لنا شيئا ليشربه، وكله بثوابه، والله وحده يعلم كم دفع المصريون من خزانتهم مقابل هذه الوساطات. نعم، نحن من بعنا الأرض ومياه النيل وثروات الغاز، لكننا سنحمي أمننا القومي في ليبيا، من سيحميه؟ هو نفسه الرجل الذي باع كل شيء طاولته يده، وما زال يتطلع لبيع المزيد، وهم يدعمونه ضد الأتراك، كما دعموه ضد المصريين. يلبسون المموّه، ويستدعون أحمد عز وأحمد فلوكس، وأحمد عدوية لو تطلب الأمر، وما الوطنية إلا دعم غير مشروط وغير مفهوم. لا بأس، هو يريد الدعم، وهم يقدّمون الدعم، أما نحن فلا نريد إلا البطاطين.
إي نعم يا صديقي..
الحسين يحتضن قاسم سليماني، والمسيح يحتضن دونالد ترامب، والإخوان المسلمون يحتضنون أردوغان، والهاربون من عنابر الخانكة يحتضنون السيسي، ونحن لا نريد إلا أن يحتضن المساجين بطاطينهم في زنازينهم، والباقي على الله. الشتاء قارص، والبرد المصري يدخل في العظام، كما يقول أهلنا في الريف. والشباب والشيوخ، بل والنساء، مسجونون في ظروفٍ شديدة القسوة، آلاف السجناء، يرتعدون من البرد، في زنازينهم، ولا يسمح لهم بدخول بطاطين، إدارة السجن تمنع، كما لا يسمح لهم بدخول ملابس شتوية. السجن لا يوفر، ولا يوافق أن يوفر لهم أهلهم. في الصيف كنا نشكو حرارة الزنازين وتحولها إلى أفران، من دون مراوح، أو تهوية، أو سماح بالتريّض. الآن ينام السجناء فوق كتل خرسانية، ويعرضون على النيابة وهم ممدّدون على البلاط والرخام، ولا يسترهم سوى قطعة واحدة من الملابس الصيفية الخفيفة. المحامون لا يتحمّلون البرد في ساعات العرض القليلة، فما بالك بمن يذهب ليواجه البرد مرة أخرى في زنزانته طوال الليل والنهار، فليدعم كلٌّ داعميه، هؤلاء هم من يخصوننا، هولاء هم من يدعموننا، نريد لهم البطاطين، الملابس الشتوية، الطعام الدافئ، على نفقه أهلهم، لا على نفقة السيسي ودولته. اتركوهم لذل الزنزانة، ولا تجمعوا عليهم ذُل الأسر والبرد. اتركوهم لآلام الاغتراب داخل بلادهم ولا تجمعوا عليهم قسوة الاغتراب والارتعاد. اتركوهم بأرواح خاوية منهكة، ولا تجمعوا عليهم أوجاع الروح والجسد معًا. اتركوا لهم أي شيء، واسمحوا لهم بالبطاطين.