أما صار الوقتُ لتغيير "صار الوقت"؟

أما صار الوقتُ لتغيير "صار الوقت"؟

07 يناير 2020
+ الخط -
على صفحته في "فيسبوك"، يعرّف "صار الوقت" عن نفسه بأنه "برنامج سياسي اجتماعيّ أسبوعيّ على شاشة (MTV Lebanon) يناقش أهمَّ مواضيع الساعة في لبنان والعالم". المتابعون لمُعِدِّه ومُقَدّمِه، مرسال غانم، يدركون أنه صيغة جديدة من برنامج "كلام الناس" الذي شهر غانم، واستمرت قناة "إل بي سي" تعرضه سنوات طويلة، خلال الحرب الأهلية وما بعدها، وشكّل بالنسبة للبنانيين مقياس حرارة لأوضاعهم السياسية والمعيشية. المختلف في البرنامج، منذ انتقال غانم إلى شاشة "إم تي في"، هو الحضور الأسبوعيّ، أي الدائم، لجمهور مكوّن من مجموعات شبابية تمثّل مختلفَ الألوان الحزبية اللبنانية، لا يسمح توزيعُ "البلاتو" بتخالطها، إذ يضع أفرادَ كلٍّ منها في مجموعة على حدة. وحين يُعطى حقُّ الكلام لأحدهم للتعبير عن رأيه في موضوعٍ معيّن، أو لكي يعلّق لاحقا على مداخلات الضيوف الرئيسيين المدعوّين، وهم غالبا من الساسة ومن أصحاب القرار، لا بدّ له من أن يبدأ بإعطاء اسمه واسم التيار أو الحزب المنتمي إليه. هذا وقد بات، إثر اندلاع الثورة بعد 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، لحضور فئة المجتمع المدني والمستقلّين والناشطين والثوّار والمعارضين والمعترضين، حضور أوضح.
انتقال غانم إلى محطّة تلفزيونية أخرى يستدعي منطقيا حذوَ سياسة "إم تي في" التي وقفت دونما لَبْسٍ إلى جانب الثورة. إنما فجأة، ولسبب لا نعرفه، أو أننا بالأحرى نعرفه لأنه يُفشي سرَّه بنفسه من خلال المداخلة التحليلية التي يعدّها المحلل السياسي جورج غانم، (أخو مرسال)، في بداية كل حلقة، وتدوم نحو عشر دقائق، أو من خلال نوعية الضيوف والأسئلة التي يطرحها مرسال وكيفية توزيعه حقّ الكلام، بدا وكأن الأخوين غانم بدءا يروّجان مواقف السلطة والنظام وتحليلات تصبّ مباشرة في مصلحة هذين الأخيرين، فالأخ الكبير هدّد اللبنانيين، في بداية نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، بنشوب حربٍ أهليّة حتميّة، إذا ما استمرّ الحراك (كما يسمّيه)، فيما جعل الأخ الأصغر النجم يصنع مسرحيّته، ويحرّك شخوصَه بما يتّفق ووجهات نظر الموالين للسلطة، ويقمع هنا ويُسكت هناك، مبيحا الإطالة في التعليق لمن يكرّر موقفَه المستجدّ.
جدير بالقول إن النكوص والتحوّل هذين أصابا البرامج السياسية والنشرات الإخبارية في القنوات اللبنانية الأخرى، مثل "الجديد" و"إل بي سي"، وقد بلغ التحوّلُ المفاجئُ هذا حدَّ التعتيم الكلّي على أخبار الثورة وتحرّكات الثوّار والتطوّرات على الأرض، حتى صار الناسُ يتساءلون عن مدى صحّة انتهاء الحراك الثوريّ أو استمراره.
وبالعودة إلى مرسال وجورج غانم اللذين قيل ويقال، وراج ويروج، الكثيرُ عن رشاوى مالية دفعت وتُدفع لتبييض صفحة هذا أو امتداح ذاك، من خلال الأفلام الوثائقية التي يعدّها جورج، والنجومية التي أتاحت لمرسال دخوله "ملعب النافذين الكبار"، فلا بد من الإشارة إلى أن انطلاق الثورة بدّل، ولا بدّ، زاويةَ النظر إلى فكرة البرنامج "الجديد" من أصلها، بحيث بدت كأنها قد أصبحت "خارج الموضوع"، وذلك لعدم قابليتها لمواكبة الأحداث الجسيمة الجارية في لبنان، والتي كشفت عن وجود مجتمعٍ مدنيّ حقيقيّ في لبنان، ووعيٍ سياسيّ واجتماعيّ لدى شرائح عريضة من الشباب، سقطت بالنسبة إليها الأقنعةُ، وما عادت بروباغندا الأحزاب أو السلطة المعتادة مؤثّرةً فيها.
هكذا ظهر جورج غانم مروِّجًا منحازًا، ومرسال غانم شرطيَّ سير يوزّع النقاط على المشاركين بتحيّز وتعالٍ وتزلّف واستخفاف، مكتفيا بإطلاق النكات التي لا تُضحك سواه، ومكرّرًا عبارته المفضّلة "إفففف!"، إبداءً لدهشته مما يَسمع ويُقال. بناءً على هذا كلّه، لا بد من طرح سؤالٍ برسم القناة التلفزيونية والمشاهدين:
ما معنى أن نستمع، أسبوعيًا، إلى أحاديث تبَعة الأحزاب وخدمِها، وهم يكرّرون على مسامعنا ما يردّده زعماؤهم منذ دهر؟ لا بل ما معنى أن يستمرّ برنامجٌ اهترأ جديدُه المزعومُ بسرعةٍ، وقد تقدّم عليه مسارُ الواقع اللبنانيّ أشواطًا مضروبة بأشواط؟
نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"