دلال أبو آمنه ورفيقاتها العتيقات

دلال أبو آمنه ورفيقاتها العتيقات

06 يناير 2020

دلال أبو آمنة .. ثقافة موسيقية ثريّة وعميقة

+ الخط -
ثمّة صنفٌ من الجمال المباغت، الغامض، شديد الندرة، متعدّد المستويات، كفيلٌ بلجم قدرتك على التعبير. فقط تعتريك الرغبة في البكاء، وربما المكوث طويلا في الصمت والتأمل في حضرته. ولعل المبدعة، دلال أبو آمنة، تجسيدٌ حيٌّ لتلك البلاغة الجمالية الآسرة، وهي الفنانة الفلسطينية الناصريّة (من الناصرة) المبدعة، ذات الصوت المخملي الذي يلمس الروح الحزينة في مقتل. صبية فلسطينية ثلاثينية، بملامح تعبّر عن طيبة ووداعة وذكاء حادّ، ذات ثقافة موسيقية ثريّة وعميقة. تحمل الدكتوراه في علوم الدماغ وفيزيولوجيا الأعصاب. أمٌّ وزوجةٌ متفانيةٌ في رعاية أسرتها. عاشقةٌ بلا ضوابط أو حدود لفلسطين، ناشطةٌ بشكل فاعل ومؤثّر، سعيا إلى ترسيخ الهوية الفلسطينية في أذهان الجيل الجديد. 
معتنقةٌ، بإخلاصٍ كبير قضايا الشعب الفلسطيني وحقه في الحرية والوجود، من خلال مشاركاتها ممثلة بلدها في مهرجانات عربية وعالمية، وقد أخذت على عاتقها مهمّة الحفاظ على التراثين، الفلسطيني والشامي، في مشروعها الإنساني النبيل الذي أطلقت عليه مشروع "يا ستي"، في دلالةٍ قويةٍ على دور المرأة التاريخي. حارسة أمينة لكنوز هذا الإرث الإنساني الجميل العميق، المتميز بالقيم الإنسانية المحتفلة بالحق والخير والجمال، تراث فلسطيني أصيل مستهدف من قوى صهيونيةٍ غاشمة، تسعى، منذ البدء، إلى انتحال مفرداته ونسبته لشذّاذ الأرض، في محاولةٍ فاشلةٍ لتمرير صلة مزعومة بأرضٍ اغتصبت في أكبر عملية تزوير واحتيال شهدها العالم، وربما تواطأ معها، حين حاولوا ترويج الكذبة الأكثر خسّة: "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، متجاهلين، بصفاقةٍ وصلافة، وعن سبق عدوانٍ ووحشية وإجرام، حقيقة راسخة عن حق شعبٍ عربي فلسطيني، باق عريق، ثابتة جذورُه في الأرض.
مشروع "يا ستّي" الذي تقوده دلال أبو آمنة، برفقة مجموعة سيداتٍ يعملن، بكل إخلاصٍ، على تجميع وإحياء تراث فلسطين في أغاني نسوة فلسطين اللواتي اعتدن إنشادها في الأعراس قبل الاحتلال الإسرائيلي، يقدمن لوحاتٍ منتقاةٍ من التراث الفلسطيني، ومن قرية عون حوض القريبة من يافا التي هجّر أهلها سنة النكبة. وقد أقام الصهاينة على أنقاضها، وفي بيوت أهلها المهجّرين، قرية لفنونهم.
قالت دلال: مشروع "يا ستّي" بدأ بشكل عفوي، حيث عملنا على استحضار روح العائلة قبل نكبة فلسطين في 1948. عملنا على جمع الأغاني والمواويل التي غنّتها النساء قبل مئة عام، في مواجهة محاولات التهويد وطمس الهوية الفلسطينية... وفي سياق حراستها ذاكرتنا الجمالية، لم تغفل دلال الموروث العربي، فأدّت، بشكل بالغ الإتقان، أغاني الطرب العربي الأصيل والأدوار القديمة، فأبدعت وأجادت في غناء كلاسيكيات الطرب، روائع من أم كلثوم وأسمهان وفتحية أحمد: الأمل، سلو قلبي، إنت عمري، يا ديرتي، مالك عليا لوم لومك على من خان، حيرانة ليه، وغيرها أعمال موسيقية عديدة صعبة.
من هنا، يحقّ لنا أن نفتخر بدلال أبو آمنة، ورفيقاتها من نساء فلسطين العتيقات في فرقة "يا ستي"، وأصغرُهن في الخامسة والخمسين، وهنّ يتصدّين، بالكلمة واللحن، لأعتى قوى الظلم والعدوان، بأثوابهن الفلاحية الزاهية المطرّزة بأيدي أمهات الشهداء ودموعهن التي لا تجفّ لوعةً وأسىً على رحيل الغوالي، فداء لثرىً كلف التمسّك به ثمنا باهظا، يظلّ قليلا أمام مسؤولية التمسّك بحقٍّ مشروع، لن يضيع ما دامت جذوة روح المقاومة بكل أشكالها متوهجةً في نفوس أبناء وطنٍ يحمونه برموش العين.
وفي زمن رديء، قبيح جائر، تسود فيه قيم مشبوهة، وتختلّ المفاهيم، وتختلط المعاني، وتضيع الحقائق، ويعلو صوت الباطل، تظل دلال أبو آمنة، ورفيقاتها الفلسطينيات العتيقات، بارقة أمل، وشعلة ضياء كفيلة بهزيمة العتمة.
AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.