طرائف سورية تراجيدية 2019

طرائف سورية تراجيدية 2019

05 يناير 2020
+ الخط -
معظم الطرائف السورية ذات طبيعة تراجيدية، فهي تُضْحِكَك، ولكنْ بعد فاصلٍ من الألم والبكاء. شهدت سنةُ 2019 أخبارا سورية طريفة مؤلمة عديدة، أبرزُها ما تناقلته الأخبار عن استعداد سوريين للعمل بصفة مرتزَقة. المفاجئ في هذا الأمر أن هناك من يتساءلون باستنكار: سوري ويعمل مرتزقاً؟! وكأن السوري يعيش في الداخل والمنافي كما الباشا أو الخواجا، ومن المعيب أن ينزل إلى هذا الدرك.
ورد في تقرير نشرته صحيفة أن روسيا تمكّنت، خلال سنة 2019، من رفع حصّة النظام السوري من الأرض السورية إلى 72%. يا خبر أبيض! إنه أمرٌ يستحق أن يَجْدُلَ مؤيدو النظام وشبيحتُه المناديل، وينزلوا إلى ميادين الدبكة، حاملين صور بوتين وخامنئي (والقتيل قاسم سليماني)، ويشيدوا بالقيادة الحكيمة لابن حافظ الأسد في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ أمتنا العربية، وأما النساء فلإطلاق الزغاريد.
في أواخر 2019 تصدّر افتتاح مطعم "إيوان" في إسطنبول قائمة الطرائف السورية. يقول الخبر إن "إيوان" مطعم فخم، كلفتُه عشرات ملايين الدولارات، ومالكُه هو الأخ محمد علوش الذي مَثَّلَ "جيش الإسلام" في المعارضة السورية، وتَبَوَّأَ منصبَ كبير المفاوضين السوريين في جنيف 2016. إذا تأملتَ هذا الخبر جيداً ستجد فيه سلسلة من الطرائف المتعلقة بتصرّفات "جيش الإسلام" نفسه، وأبرزها خطف الناشطين السلميين وإخفاؤهم. والأغرب من هذا كله الرسالة التي وجهها علوش إلى الشعب السوري، بعد انتشار خبر افتتاح المطعم، وقال فيها إنه لم يأخذ من أموالهم، بل أعطاهم، وإنه سيتّبع مع مَنْ يتهمونه بسرقة مال الشعب أحد أسلوبين: أن يشكوهم للقضاء، ويطالبهم بمبالغ كبيرة، يصرفها على الأيتام، أو يشكوهم لله عز وجل. ولعل أكثر ما أثار استغراب الناس: من أين سيأتون بالمبالغ الكبيرة وهم لم يشتغلوا بغير الهروب من القصف ورتق سقوف المخيمات؟
ثمّة طرفة أخرى لا يمكنُ فهمها بسرعة، فقد صرح الشاعر أدونيس (ضمن برنامج "حكايتي"، على تلفزيون "لَنَا بلاس") إن المسلمين في كل العالم، وينوف عددهم عن المليار، لم يقدّموا للبشرية مفكراً واحداً، ولكن الخميني عمل ثورة داخل الفقه الشيعي، وولاية الفقيه شيء جديد كلياً، وعلى مستوى ثوري. ويتابع إنه لولا هذا لما كانت الدولة الإيرانية الآن.
وللمضي في عالم الطرائف السورية، يمكن العودة إلى أواسط شهر أبريل/ نيسان 2019، حيث أقام النظام السوري نُصُبَاً تذكارياً لباسل الأسد في إحدى ساحات مدينة دير الزور، مختتماً، بذلك، سلسلةَ النكبات التي شهدتها هذه المدينةُ منذ خمسين عاماً. الأولى أن دير الزور كانت من المدن السورية التي حكمها الديكتاتور حافظ. الثانية أن زبانية السلطة أقاموا في ساحاتها تماثيل لحافظ الأسد والوريث الذي لم يكتمل باسل الأسد. (ولم يطُل صبر أهل الدير على هذا الوضع المهين، ففي مطلع 2011 حطموا تمثال باسل، ووقتها هرع الزبانية لاقتلاع تمثال حافظ من إحدى الساحات، بقصد حجبه عن أعين الشعب الغاضب). الثالثة أن أهل دير الزور وقعوا تحت حكم تنظيم داعش الإرهابي. الرابعة أن إخراج "داعش" من دير الزور ترافق مع تدمير القسم الأكبر منها، ومقتل ناسٍ كثيرين. والخامسة تمثال باسل الجديد.
لم يتمكّن باسل الأسد من صناعة أمجادٍ كثيرة، بسبب مقتله في حادث سيارة سنة 1994، يعني لا قتلَ، ولا ضربَ، ولا شَرَّدَ، ولا أنزلَ حاراتٍ مأهولةً بالسكان مُدَمَّرَةً فوق رؤوس ساكنيها، ولكن كانت له مأثرة لغوية لها علاقة بموضوع النُصُب التذكاري نفسه، فقد نُقِلَ عنه قولُه: العمال أقاموا (نَصْبْ) تذكاري، والقضاة أقاموا نَصْبْ، والجيش أقام نَصْبْ، والطلائع أقاموا نَصْبْ، ليش نحن الرياضيين ما منقيم نَصْبْ؟
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...