معارك شيخ الأزهر داخل الصندوق

معارك شيخ الأزهر داخل الصندوق

01 فبراير 2020

شيخ الأزهر أحمد الطيب في لشبونة (15/3/2018/Getty)

+ الخط -
غاب في المناوشة بين شيخ الأزهر، أحمد الطيب، ورئيس جامعة القاهرة، محمد عثمان الخشت، أشخاص المتحدثين، وحضر من يمثلونهم. وفي هذا التفسير الأبرز لمدى الاحتفاء العام بالتنكيل المعنوي الذي نال الخشت. 
لم يكن الخشت، في واقع الأمر، إلا صدى صوت الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي طالما تحدّث عن قضية "تجديد التراث"، دون أن يوضح بدقةٍ ما يعنيه، إلا مرة واحدة حين طالب بتعديلٍ يقضي بعدم وقوع الطلاق إلا كتابة، وهو ما أدّى إلى صدامٍ صريحٍ بعد إعلان الأزهر بيان رفضٍ حادا.
كما أن الشيخ الطيب، بذكاءٍ لافت، تحول إلى قضيةٍ سياسيةٍ شائكة، وهي مواجهة "صفقة القرن"، ليتحدّث بلسان شعبي بأنه شعر بالخزي وهو يشاهد نتنياهو وترامب، وهو كلامٌ لم يسمعه المصريون من رئيسهم، وهي قضيةٌ ملحّةٌ يبدو بالمقارنة بها الإغراق في حديث "التجديد" تهرّباً وانصياعاً لأولويات السلطة.
بالتأكيد، الخشت هو آخر من يحاضر فينا عن التجديد والتقدّم، بينما هو يقود جامعةً تأتي متأخرةً للغاية في كل التصنيفات العالمية. وهو من يتواطأ مع الأجهزة الأمنية لسحق الحريات الأكاديمية، حتى أن إجراءاتٍ روتينيةً، مثل سفر أستاذ إلى مؤتمر دوري، أو استضافة ضيف أكاديمي، لا تتم بدون الموافقة الأمنية.
في المقابل، ماذا حمل محتوى شيخ الأزهر؟ أي مشتغل بالمجال السياسي والإعلامي يعرف أن التفوق في المناظرات لا يعني بالضرورة امتلاك الرأي الأصح، بل قد يعني امتلاك مهاراتٍ خطابيةٍ ولغوية، يقينا يتفوق بها شيخ الأزهر على ركاكة الخشت، فضلا عن أن المؤتمر أصلا ينظّمه الأزهر، فالشيخ يتحدث بين جمهوره الذي ضجّ بالتصفيق المتكرّر، ما أسهم في مزيد من صنع الهالة.
على سبيل المثال، حين أشار الشيخ بحركةٍ مسرحيةٍ بكتاب الخشت، قائلاً له "لو كنت ترى ما في كتابك مطلقاً فقد سقط مذهبك، وإذا كنت تعتقد أنه مشكوك فيه فأرجو أن تهديه لي حين تتأكد"، هي في الواقع عبارة متلاعبة لا أكثر، فالشيخ لا يمكنه الزعم إن كتبه تحوي حقائق مطلقة، ولا أي مؤلفٍ أو عالمٍ يفعل، وإلا بأبسط الأمثلة ما كانت هناك اختلافاتٌ في المذاهب الإسلامية!
العبارة قادمة من عالم الشيخ متولي الشعراوي الذي قال لحسني مبارك "إذا كنت قدرنا فليوفقك الله، وإذا كنا قدرك فليعنك الله علينا"، كما أنها قادمة من عالم "قصف الجبهات" بتعبير شباب "فيسبوك".
حين يقول شيخ الأزهر إن المشكلة ليست بتجديد التراث، بينما نحن لا نصنع "كاوتش" سيارة، فهي أيضا مغالطة خطابية، فأولاً الدين مكوّن رئيسي في المجتمع المصري والإسلامي، لا يمكن أن يكون خارج معادلة التقدّم والتأخر بالكلية، والشيخ نفسه ناقض ذلك، حين استشهد، في جزء آخر، بتقدّم المسلمين الممسكين بدينهم في الماضي. وثانياً، بالمنطق نفسه يمكن أن نقول دعنا نلتفت إلى صناعة "الكاوتش" ولا تُشغلنا بالدفاع عن التراث.
أصدر الأزهر بيانا يحوي 29 نقطة هي ناتج هذا المؤتمر، نقرأ في مطلعها إن "النصوص القطعية في ثبوتها ودلالتها لا تجديدَ فيها بحالٍ من الأحوال، أمَّا النصوص الظنيَّةُ الدِّلالة فهي محل الاجتهاد". من الذي يحدّد النصوص القطعية والظنية؟ هل لديكم قائمة معتمدة؟ تأتي الإجابة في النقطة الثالثة إن التجديد وظيفة "الراسخون في العلم" و"وعلى غير المؤهَّلينَ تجنُّب الخوض فيه". للمفارقة أن كتاب الخشت نفسه يحتوي المنظور نفسه تقريبا!
إذا تجاوزنا الجوانب السياسية، وكذلك المواقف الشعاراتية، نجد نقاطاً محدّدة بلا إجابات. صرح شيخ الأزهر، أخيرا، إن نظرية التطور "مضطربة"، ولم يظهر بعد 150 عاماً اكتشاف علمي واحد يؤكد أن داروين كان على حق.. وفي بيانه أخيرا، يقول الأزهر إن للمرأة "تقلد كافة الوظائف التي تصلح بها بما فيها المناصب العليا بالدولة"، وهو هنا بالطبع يلمح إلى عدم تولي المرأة القضاء، وهو موقفٌ تتفق به السلطة السياسية الحالية، ولم نسمع للخشت موقفاً منه بدوره.
إذا كنا في السياسة قد نضطر لاختيار الأقل سوءا بين مرشحيْن، فبالتأكيد في عالم الفكر يمكننا الاختيار خارج ثنائية الطيب - الخشت، وصراعهما داخل صندوق السلطتين، الاجتماعية والسياسية، نفسه.