قاسم حدّاد .. الفائز بالأمل

قاسم حدّاد .. الفائز بالأمل

30 يناير 2020
+ الخط -
لم أفاجأ، ولا أظن أن أحدا من قرّاء ديوان الشعر العربي المعاصر قد فوجئ بفوز الشاعر قاسم حدّاد بجائزة ملتقى القاهرة الدولي للشعر العربي في نسختها الجديدة. ليس لأنه يستحق، ولأن هذه الجائزة بالذات عودتنا على اختياراتٍ مستحقّةٍ من الشعراء العرب، ولأنها تقريبا آخر "المؤسسات" التي ما زالت تراهن على حق الشاعر العربي في التجريب الشعري غير المشروط وحسب، بل لأن قاسم حدّاد أحد الشعراء العرب القليلين المؤمنين بأن الشعر حرية أولاً، ولأنه أيضا شاعرٌ متصالحٌ مع موهبته، ومع إمكاناته في التعبير عنها، وفي تقديمها للمتلقي، ومع المستقبل وما يمكن أن يشي به من تجارب ورؤى. وهذا ما لا تعتبر به معظم الجوائز الشعرية العربية في الوقت الراهن للأسف، خصوصا تلك الخاضعة لظروفٍ غير شعرية وغير إبداعية.
لقد ظل قاسم حدّاد، طوال ما يقرب من خمسة عقود، هي مدّة مسيرته الشعرية كلها، يمشي بين ألغام الكلمات، مخفورا بالوعول الشعرية، متجاوزا كل ما هو مألوف في الكتابة، مراهنا على كل كسرٍ للسائد على طريق القصيدة، ومخلصا طريقته الفريدة في إنتاج النص، حيث أثبت دائما، وفي كل إصداراته، داخل دائرة الشعر وخارجها، أن الشعر لا يموت. وأن روح الحداثة التي سكنت قصيدته، منذ ديوانه الأول الصادر في العام 1970، قادرة على التجاوز دائما، وعلى إلهام كثيرين ممن لحق به على التجاوز والكسر، وأن النكوص الشعري الذي تسبّب به شعراء شبابٌ موهوبون، لكنهم مولعون، لسوء الحظ، بتصفيق الجماهير المباشر، لن يستمر طويلا، وأنهم، هم أنفسهم، وبمحض موهبتهم الشعرية، سيتجاوزون أنفسهم، وسيثورون على تجاربهم الأولى، بعد أن يكتشفوا ضيق الأفق الذي ساهموا من دون قصدٍ في رسم حدوده بشأن مشروع القصيدة العربية الجديدة، بكل صورها وتجلياتها ونماذجها ورموزها، وبكل ما يمكن أن تصل إليه دائما.
في لقاء أجري معه، بعد تتويجه بالجائزة الشعرية العربية الأهم، والتي سبقه إلى الفوز بها من العرب في سنوات، الشعراء محمود درويش، وأحمد عبد المعطي حجازي، وعبد العزيز المقالح، ومحمد إبراهيم أبو سنة، قال قاسم حداد: "أنا جزء من جيل، لا أفهم كيف أتحدث عن تجربتي، ولكني أحاول أن أعبّر عن نفسي وعن أفكاري بشكل حر وبشكل جميل، فهذان شرطان لا بد من توفرهما في الكتابة الأدبية، الحرية والجمال. وهذا المعنى يستدعي من جيلي أن يتشبث بهذه الحرية، فمهما تقلصت الحريات العامة، يظل الكاتب، هو وقلمه، يستطيع أن يحقق ذاته من دون أوهام كبرى بالتغيير، لأن هناك سلطات كثيرة تعوق التغيير، لكن الشاعر، بأحلامه وبتشبثه بمخيلته وبقدرته على الجرأة، يستطيع أن يساعد القارئ على اكتشاف العوالم الجديدة والمستقبل".
وفي هذا التصريح، يعيد قاسم حدّاد الحياة إلى ورشة الأمل، والتي كان دائما أحد عمّالها المخلصين، فمن مثل هذه الورشة يحلّق الشعر بجناحي الحرية والجمال، ومنها أيضا تنطلق الروح الشعرية الجديدة دائما، من دون خوفٍ من قيودٍ بدأت تلوح بعض ظلالها في السنوات الأخيرة، تحت وطأة الضوء الشديد الذي أطلقته أدوات إعلانية وإعلامية كثيرة، كالبرامج التلفزيونية والجوائز ذات الاشتراطات المسبقة وتطبيقات التواصل الاجتماعي، وغيرها من وسائل الولع لدى الموهوبين من الشعراء الشباب. سيبقى قاسم حداد هو الفائز دائما بأمل الورشة من قصيد.
CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.