المغرب: الديمقراطية الهجينة

المغرب: الديمقراطية الهجينة

30 يناير 2020
+ الخط -
صنّف مؤشر الديمقراطية الذي تصدره مجلة إيكونوميست البريطانية المغربَ في المرتبة الثانية عربياً، بعد تونس، والرتبة السادسة والتسعين عالميا، بمعدل 5.10 (من أصل 10). وعلى الرغم من التقدم الطفيف، مقارنة بالسنة الفارطة (2018)، إلا أن المؤشر لا يزال يُصنف النظام المغربي ضمن ''الأنظمة الهجينة'' التي تقع في منطقة وسطى بين الاستبداد والديمقراطية. 
يكاد هذا التصنيف يتطابق مع ما تذهب إليه أدبيات كثيرة بشأن هذا النظام، حين تُدرجه ضمن المنطقة الرمادية Grey Zone، فبقدر ما يبتعد، نسبيا، عن أنظمة الاستبداد الكُلياني، يقترب، في الوقت نفسه، من الأنظمة الديمقراطية، لكن من دون أن يصل إلى مستوياتها في الأداء السياسي. فعلى الرغم من أن المغرب يعرف تعدديةً حزبيةً راسخةً إلى حد ما، وانتظاما ملحوظا في الاستحقاقات الانتخابية، وإدماجا متواترا لطيفٍ واسعٍ من النخب اليسارية والإسلامية، وهامشا للحريات يضيق ويتسع حسب ميزان القوى، ومجتمعا مدنيا نشيطا، إلا أن ذلك كله تُقابله حزمةُ أعطابٍ بنيويةٍ تحول دون تحديث الممارسة السياسية المغربية، ومن ذلك سطوة الدولة العميقة، وغياب التنافسية عن الحقل السياسي، والتحكّم في التقطيع الانتخابي، وضعف البرلمان، وشيوع ثقافة سياسية تقليدية، وغياب سياسات عمومية واضحة تربط المسؤولية بالمحاسبة.
لا تُشكّل هذه المؤالفة بين الاستبداد والديمقراطية الهوية السياسية للنظام المغربي فحسب، بل تمنحه، أيضا، عائدات كثيرة لرسم صورته على الصعيد الخارجي، بحيث يبدو وكأنه بلد في طور بناء ديمقراطيته الناشئة. ولعل ذلك ما تؤكده ''إيكونوميست''، حين منحته في مؤشر الانتخابات والتعددية السياسية 5.25، وفي أداء الحكومة 4.64، وفي المشاركة السياسية 5.56، وفي الثقافة السياسية 5.63، وفي الحريات المدنية 4.41.
تعكس هذه الأرقام حرص السلطة في المغرب على البقاء في منزلةٍ بين المنزلتين، فالانتظام الذي تشهده الانتخابات المحلية والتشريعية لا يوازِيهِ تأهيل الحقل الحزبي بجعله أكثر تنافسية وقدرة على نقل السياسة المغربية إلى طورٍ آخر، تتقلص فيه مواردُ التقليد الذي تتغذّى عليه الأحزاب بمختلف أطيافها. وتشهد على ذلك نسب المشاركة المتدنية في الاستحقاقات الانتخابية، والتي تدلّ على عجز هذه الأحزاب عن إيجاد حلولٍ ملموسة لمعضلات التنمية التي تؤرق المغاربة.
الشيء نفسه بالنسبة لمؤشر الثقافة السياسية، حيث لم يسهم ''الرصيد الديمقراطي'' النسبي الذي راكمه المغرب خلال العقود الأربعة الأخيرة في تحديث هذه الثقافة، وتجديد إمكاناتها، إذ ظلت سلطويةً في خطوطها العريضة، تُغذّي الأحزابَ والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، وتحول دون تشكّل فضاء عمومي يستوعب المتغيرات الحاصلة، سيما بعد منعطف الربيع العربي وظهور بؤر جديدة لإنتاج السياسة وتداول مواردها عبر قنوات غير مألوفة.
تشترك معظم الديمقراطيات الهجينة في توظيف المتغيرات الإقليمية والدولية لصالحها. وينطبق ذلك، بشكل كبير، على الحالة المغربية. فقد كان لنهاية الحرب الباردة وصعود خطاب الديمقراطية وحقوق الإنسان دور حاسم في إطلاق موجة جديدة من الانفتاح السياسي في المغرب، وصلت إلى ذروتها في عام 1998، حين وصل اليسار الإصلاحي إلى قيادة حكومة التناوب، قبل أن ترتد هذه الموجة مع بداية الألفية الجديدة تحت تأثير تداعيات هجمات "11 سبتمبر" في 2001، وتصدّرِ مكافحة الإرهاب الأجندات الدولية. ومع اندلاع ثورات الربيع العربي، انفتحت دروب جديدة أمام السياسة المغربية، وبدا أن صدر السلطة بدأ يتسع أمام الاحتجاج الجديد بمختلف تنويعاته، سيما في ظل التجديد الذي حصل في بنية النخب بإدماج قطاع من الإسلام السياسي، بيد أن المنعرج الذي شهدته المنطقة بعد 2013 خلط الأوراق، وأتاح لهذه السلطة، استعادة المبادرة وإغلاق القوس الذي فتحته، مضطرةً، في 2011.
لم يتحسّن ترتيب المغرب، كثيرا، في مؤشّر الديمقراطية الذي أصدرته المجلة البريطانية، ولم تفلح الممارسة السياسية المغربية في ربح نقاط جديدة تؤهلها للانتقال، على الأقل، إلى المجموعة الثانية (الديمقراطيات المعيبة)، الأمر الذي لا يُسائل، فقط، أداء السلطة في دمقرطة الحقل السياسي وتحديث هياكله، بقدر ما يُسائل، أيضا، جدوى المرتكزات التي يستند إليها هذا الحقل، وفي مقدّمتها تنصيص الدستور المغربي على ''الخيار الديمقراطي'' الذي أصبح ضمن الثوابت الوطنية.